لَا عَلَى الْخَبَرِ وَالْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا نَقُولُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى الْجُنُبِ فَإِنَّ الْمَاءَ فِيهِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِلتَّقَرُّبِ مَا لَيْسَ فِي التُّرَابِ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى التَّقَرُّبِ لَا أَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ. وَأَمَّا عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَوَاتٍ فَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَفِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتُ عَلَى الْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى أَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إِذَا وَجَدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلنَّظَافَةِ وَأَصَالَتِهِ لَا لِبَقَاءِ الْحَدَثِ. وَقَدِ اشْتَدَّ نَكِيرُ صَاحِبِ الْقَبَسِ وَإِنَّهُ لَمَعْذُورٌ قَالَ رَفْعُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ الْمُوَطَّأَ كِتَابُهُ الَّذِي كَانَ يُعْنَى بِهِ وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ طُولَ عُمُرِهِ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ الْقَائِلُ فِيهِ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ رَفْعُ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ مُغَيٌّ بِطَرَيَانِ الْمَاءِ كَمَا أَن رفع بِالْوضُوءِ مغي بِطَرَيَانِ الْحَدَثِ. وَكَذَلِكَ اشْتَدَّ تَعَجُّبُ الْمَازِرِيِّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَعَلَّ الْخِلَافَ فِي اللَّفْظِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى رَفْعِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم} وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
وَحَكَى فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute