فرع فِي الْكتاب يجْبر الْمُسلم زَوجته الذِّمِّيَّة عَلَى غُسْلِ الْحَيْضِ دُونَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْسِلَ وَعَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ لَا يُجْبِرُهَا لِأَنَّ الْغُسْلَ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ هُوَ الْغُسْلُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْوِي الْوُجُوبَ قِيلَ هُوَ يَنْوِي عَنْهَا فَقِيلَ كَيْفَ يَنْوِي الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ قِيلَ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ يَنْوِي غَيْرُ الْمَغْسُولِ. أُجِيبَ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ فِعْلُ النَّاوِي فَلِذَلِكَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَإِنَّ نِيَّةَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا تُخَصِّصُ فِعْلَهُ دُونَ فِعْلِ غُسْلِ غَيْرِهِ وَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ لَيْسَ فِعْلَ الزَّوْجِ فَنِّيَّتُهُ لَهُ كَنِيَّتِهِ لِصَلَاةِ غَيْرِهِ وَأَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَفِعْلُ النَّاوِي فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَعُلِمَ أَنَّ الْمُمْكِنَ مِنَ الذِّمِّيَّةِ لَيْسَ هُوَ شَرْطَ الْوَطْءِ وَشَرْطُ الْوَطْءِ لَيْسَ مُمْكِنًا مِنْهَا حَالَةَ الْكُفْرِ وَفِي هَذَا الْمَقَامِ اضْطَرَبَتْ آرَاءُ الْأَصْحَابِ وَتَزَلْزَلَتْ عَلَيْهِمُ الْقَوَاعِدُ فَرَأَوْا أَنَّ أَحَدَ الْإِشْكَالَيْنِ لَازِمٌ إِمَّا إِبَاحَةُ الْوَطْءِ بِدُونِ شَرْطِهِ أَو اعْتِقَاد مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ شَرْطًا وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ: قَاعِدَةٌ خِطَابُ الشَّرْعِ قِسْمَانِ خِطَابُ وَضْعٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتِهِ وَلَا إِرَادَتِهِ وَلَا نِيَّتِهِ وَهُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ يَفْتَقِرُ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي مُقَدّمَة الْكتاب وَالْغسْل من الْحيض مِنَ الْحَيْضِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى خِطَابَانِ خِطَابُ وَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْخِطَابُ الثَّانِي هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ فَعَدَمُ النِّيَّةِ يَقْدَحُ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ فَيَبْطُلُ كَوْنُ هَذَا الْغُسْلِ عِبَادَةً وَيَبْقَى كَوْنُهُ شَرْطًا وَلَا يَلْزَمُ إِبَاحَةُ الْمُسْلِمَةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ وَكَانَ الْأَصْلُ إِبَاحَتَهَا خُولِفَ الدَّلِيلُ ثمت فَيبقى هَا هُنَا عَلَى مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ. وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إِلَّا طَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute