للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحَدُهُمَا صَاحِبُ حَرْثٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ غَنَمٍ فَادَّعَى إِرْسَالَ الْآخَرِ غَنَمَهُ فِي حَرْثِهِ لِيْلًا فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا فَقَضَى لَهُ بِالْغَنَمِ كُلِّهَا فَمَرَّ صَاحِبُ الْغَنَمِ بِسُلَيْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِقَضَاءِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَخَلَ سُلَيْمَانُ عَلَى دَاوُدَ فَقَالَ يَا بني اللَّهِ إِنِ الْقَضَاءَ سِوَى الَّذِي قَضَيْتَ فَقَالَ وَكَيْفَ فَقَالَ إِنَّ الْحَرْثَ لَا يَخْفَى عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ كُلَّ عَامٍ فَلَهُ مِنْ صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَوْلَادِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَشْعَارِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَ الْحَرْثِ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ قَدْ أَصَبْتَ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَرْثُ كَانَ كَرْمًا فَعَلَى هَذَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَن الْمُصِيب وَأحد كَمَا قَالَه ش ح وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحَكَى عَنْهُ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ تَصْوِيبَ الْجَمِيعِ وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فَلَوْ أَخْطَأَ مَا أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا وَجَوَابُهُ أَن الحكم المؤتى ومالق مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الثَّالِثَةُ أَنَّ حُكْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ وَقَعَ فِي شَرْعِنَا أَمْضَيْنَاهُ لِأَنَّ قِيمَةَ الزَّرْعِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهَا غنم لِأَن صَاحبهَا فلس أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَحُكْمُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ وَقَعَ فِي شَرْعِنَا مَا أَمْضَيْنَاهُ لِأَنَّهُ إِيجَابُ الْقِيمَةِ مُؤَجَّلَةً وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ صَاحِبَ الْحَرْثِ وَإِحَالَتُهُ لَهُ عَلَى أَعْيَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا الْآنَ وَمَا لَا يُبَاعُ لَا يُعَاوَضُ بِهِ فِي الْقِيَمِ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَن لَا تَكُونَ شَرِيعَتُنَا أَتَمَّ فِي الْمَصَالِحِ وَأَكْمَلَ فِي الشَّرَائِعِ أَوْ يَكُونَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهِمَ دُونَ سُلَيْمَانَ وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ لِلْكَشْفِ وَالنَّظَرِ حَتَّى يُفْهَمَ الْمَعْنَى فِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ زمانهم كَانَت تقضي أَن لَا يَخْرُجَ عَيْنُ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَلَدِهِ إِمَّا لِقِلَّةِ الْأَعْيَانِ وَإِمَّا لِعِظَمِ ضَرَرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِعَدَمِ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ بِأَنْ تُقَدَّمَ لِلنَّارِ الَّتِي تَأْكُلُ الْقُرْبَانَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْأُخْرَى بِاعْتِبَار زَمَاننَا أَثم فَيُعْتَبَرُ الْحُكْمُ كَمَا هُوَ قَوْلُنَا فِي حُكْمِ النّسخ بِاعْتِبَار اخْتِلَاف الْمصَالح فِي الأزما فَقَاعِدَةُ النَّسْخِ تَشْهَدُ لِهَذَا الْجَوَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>