إِنَّمَا ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا فَهَذَا يُظْهِرُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا لَا تَقْبَلُ الْحُكْمَ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يُفِيدُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَعَهُ فَيَجْتَمِعُ الْحُكْمَانِ وَمِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْفُتْيَا فَيَنْفَرِدُ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَرُّفِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْفُتْيَا وَهِيَ التَّبْلِيغُ الْمُعَدَّى عَنِ الْحُكْمِ مِنْ قَبْلِهِ وَبَيْنَ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ هُنَالِكَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ وَيَظْهَرُ أَيْضًا بِهَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا لَا تَقْبَلُ الْحُكْمَ وَهِلَالَ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا حَظُّ الْحَاكِمِ فِيهِ إِثْبَاتُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَكَذَلِكَ إِيجَابُ الزَّكَاةِ وَأَمَّا أَخْذُ مَا سَنَّ يَأْخُذَهُ السَّاعِي فَذَلِكَ حُكْمٌ لِوُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ لِمَصَالِحَ دُنْيَوِيَّةٍ وَهِيَ الْمَالِيَّةُ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّ الْحُكْمَ نَصٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الْحَاكِمِ وَنَصُّ اللَّهِ تَعَالى مُقَدَّمٌ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ الْحَقُّ مَعَ هَذَا وَإِذَا كَانَ هَذَا نَصًّا صَرِيحًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ حُرِّمَ عَلَى الْمُخَالِفِ لَهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ نَقْضُ هَذَا الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِنَاءً على قَاعِدَة مجمع عَلَيْهَا وَهُوَ أَنه اذا تعَارض النَّص وَالْعُمُومُ قُدِّمَ الْخَاصُّ فِي صُورَةِ وُرُودِهِ وَبَقِيَ الْعُمُومُ مَعْمُولًا بِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَلَا حرم مُخَالف الْمُجْتَهِدِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا الْحُكْمُ وَتَخْرُجُ هَذِهِ مِنْ خِلَافِهِ لِوُرُودِ النَّصِّ الْخَاصِّ فِيهَا كَمَا يَعْمَلُ فِي سَائِرِ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ إِذَا اجْتَهَدَ فَتَخْرُجُ الْمُصَرَّاةُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ لِلنَّصِّ وَتَخْرُجُ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الْإِجَارَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُسْتَثْنًى بِنَصٍّ يَخُصُّهُ فَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَوَاطِنِ الْخلاف يرفعهُ وَلَا ينْتَقض لأحد ذَلِكَ الْحُكْمَ وَقَدْ يُظْهِرُ بُطْلَانَ مَا فِي الْجَوَاهِر فِي بَاب نقص الْحُكْمِ أَنَّ الْخِلَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute