لِلْحَرْبِ قَالَ لَهُ الطُّرْطُوشِيُّ بَلْ تُفْسِدُ الْحَرْبَ لِأَنَّ الْحَرْبَ مَقْصُودُهُ أَخْذُ الْمَلِكِ وَاغْتِيَالُهُ وَفِي الشِّطْرَنْجِ يَقُولُ لَهُ شَاهْ أَتَاكَ الْمَلِكُ نَحِّهِ عَنْ طَرِيقِي فَضَحِكَ الْحَاضِرُونَ وَتَحْرِيمُهَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ مَالِكٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَمْ يَرَ مَالِكٌ تَرْكَ السَّلَامِ عَلَى لَاعِبِ الْكِعَابِ وَالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ إِلَّا أَنْ يَمُرَّ بِهِمْ يَلْعَبُونَ فَيَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ وَتَرْكُ السَّلَامِ أَدَبًا لَهُمْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ إِنْ لَمْ يُعْقَلْ لِلنَّرْدِ مَعْنًى فَهُوَ مُسَاوٍ لِلشِّطْرَنْجِ وَإِنْ عُقِلَ فَجَمِيعُ مَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ مِنَ اللَّهْوِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الشِّطْرَنْجِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الشِّطْرَنْجُ يُقَوِّي الْفِكْرَ وَيَجْبُرُ الْخَاطِرَ وَيُتَعَلَّمُ بِهِ الْقِتَالُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ وَالْهَرَبُ وَالطَّلَبُ فَهُوَ يُقَوِّي الرَّأْيَ وَالْعَقْلَ بِخِلَافِ النَّرْدِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعُلُومِ الَّتِي مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بَلْ مِنَ الصَّنَائِعِ الَّتِي مَحَلُّهَا الْجَوَارِحُ كَالْكِتَابَةِ وَالنِّجَارَةِ وَلِذَلِكَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ تَجِدُهُمْ بُلَدَاءَ كَمَا تَجِدُ الْبَلِيدَ قَدْ يَكْتُبُ حَسَنًا وَيَنْجُرُ حَسَنًا وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ لِمَزِيدِ الْفِكْرِ فَهُوَ يُقَرِّبُهُ مِنَ اللَّهْوِ أَكْثَرَ مِنَ النَّرْدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ إِتْعَابُ النَّفْسِ أَفْضَلَ فِي الْأُمُورِ الْمَطْلُوبَةِ لِلشَّرْعِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكُمْ تَكْرَهُونَهُ فَلَا يَكُونُ مَطْلُوبًا وَالْمُخَاطَرَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ مَعَ أَنَّ الْفِكْرَ حِينَئِذٍ أَشَدُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ لِلْإِبَاحَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَابَقَةَ عَلَى الْخَيْلِ لَمَّا كَانَتْ مَطْلُوبَة كَانَ بذل المَال فِيهَا جائزافهي بَعِيدَةٌ مِنْ مَكَايِدِ الْحُرُوبِ لِأَنَّ الْحُرُوبَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اقْتِنَاصِ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَأَنَّ الْفَارِسَ يَكُرُّ وَيَفِرُّ وَيُقْبِلُ كَيْفَ أَرَادَ وَيَقْتُلُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَالْمُقَاتِلَ وَغَيْرَهُ وَالشِّطْرَنْجُ يُؤْمَرُ فِيهِ بِتَهْرِيبِ السُّلْطَانِ بِقَوْلِهِمْ شَاهْ حَتَّى لَا يُقْتَلَ وَالْفَارِسُ لَا يَقْتُلُ مَنْ يَلِيهِ وَلَا مَنْ يُقَابِلُهُ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَلَى مُوَازِيهِ وَكُلُّ قِطْعَةٍ مِنْهُ لَا تُشْبِهُ صَاحِبَتَهَا فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ فَلَوْ ذَهَبَ مُتَعَلِّمُ الشِّطْرَنْجِ دَهْرًا إِلَى الْحَرْبِ وَقَالَ وَفَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا تَعَلَّمْتُهُ مِنَ الشِّطْرَنْجِ أَفْسَدَ الْحَرْبَ وَضُحِكَ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ الشِّطْرَنْجُ إِلَّا بِمُخَالَطَةِ الْأَرْذَالِ وَإِغْفَالِ الصَّلَوَاتِ وَضَيَاعِ الْأَمْوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute