وما كان يثبط همتهم ويخور عزيمتهم محاباة هؤلاء المغتسلين (ولا محاباة في الدين) ولا مداهنة الجاهلية ولا مجاراة أهواء الحكام الغاشمين بل كانوا يتآزرون ويتعاونون على إظهار الحق بين الملأ ويقفون سداً منيعاً في وجه من يجتري على سدة العلم ليهتك سترها.
ويصدون هجمات المعتدين على حقوق الغير. ويضربون بعصا من حديد على كل يد تمتد إلى غير حلها كانت (فيحائنا) معهداً عظيماً للعلوم والمعارف ومنتدى للفضل وأهله ومحطاً لرحال نخبة العالم وأجلاء بني آدم كانت كعبة يؤمها ألوف من طلاب العلوم ومحبي المعارف بل كانت من أعمر الربع المسكون بالعلم والعرفان ومن أغنى بلاد الله بوفرة العلماء فيها وتهافتهم من أقصى أنحاء المسكونة على موائدها حين ما كانت تحتوي على أعلى طبقة راقية من أجلاء علماء الإسلام وتقل جهابذة الفضل وقادة الأفكار أيام خصبها ونضارتها من مثل ابن عساكر وأبي شامة وابن الصلاح والنووي وابن عبد السلام والتقي السبكي وأولاده وأفضلهم (التاج) وابن تيمية والمزي والذهبي والزملكاني وفخر الدين المصري والجار بردي والحافظ العلائي وأضرابهم ممن لا يحصون عدداً.
وأقرب منهم عهداً. البدر الغزي وعماد الدين الحنفي وأبو الصفا الحلبي والقاضي محب الأدب الحموي والكوراني والعجلوني وعبد الرحمن العمادي المفتي وكمال الدين الحمزاوي (الممدوح من قبل العلامة الأديب عبد القادر البغدادي تلميذ الخفاجي في أوائل حاشيته العظيمة على شرح بانت سعاد ونجم الدين الغزي صاحب حسن التنبه في التشبه وهو كتاب لا نظير له في بابه) مما يطول تعداد أسمائهم ويفنى المداد دون إحصائهم وكان البدر الغزي هو المدرس في جامع بني أمية وهو أعلم علماء جلق يومئذ.
وكان يجري بين (البدر) وبين علماء عصره حين ما يلقي الدروس من الأبحاث الرائقة والتحقيقات الفائقة ما يأخذ بمجامع القلوب طرباً. . .
فقد ذكر تقي الدين في طبقاته أن المولى الفاضل علي جلبي المعروف بابن الخيالي القاضي بدمشق الشام حضر درس العلامة الشيخ بدر الدين الغزي لما ختم الشيخ في الجامع الأموي التفسير الذي صنفه وجرى بينهما من مطارحة العلوم والسباق في ميدان الأبحاث ما يدهش الألباب ويبعث على الإعجاب. ثم اختلفا في مسألة عويصة وعي اعتراضات السمين في