ومزارع وقرى منها دمنهور وطنطا وبنها العسل. وأسماء الأماكن التي يقف عندها القطار مرسومة بالقلم العربي وباعة الصحف والمتكففون يلجون عربات الرتل ويتجولون فيها المسافة البعيدة مجاناً.
وصلنا إلى مصر وتبوأت بيتاً في قصر يمسى (الكلوب المصري) ثم هويت من المنزل يرافقني السيد محمد القديدي القيرواني ودرجنا إلى مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه وفيه منفذ للمكان الذي اشتهر أنه مشهد رأسه الشريف ورأيت زوار هذا المسجد وزائراته كيف يزدحمون على بابه ما بين وارد وصادر وللعلماء بالروايات مقال في هذا المشهد الحافل فإن منهم من يقول أن مدفن رأسي الحسين رضي الله عنه بعسقلان ولعلنا نقص أثر هذا المطلب في مقام آخر.
ثم توجهت إلى زيارة المعهد العلمي الشهير بالأزهر ولما وافيته نهض لي زمرة من التلامذة تونسيون وجزائريون وكان بعضهم ممن تقدم له الحضور بالدروس التي نلقيها بالمعهد الزيتوني فطافوا بنا في زوايا الجامع وحواشيه ثم جلينا برواق المغاربة مدة وجيزة وأزمعت على افياب تخلصاً من متاعب السفر فالتمسوا مني العود لزيارتهم مساء وجنح بنا السبيل إلى منزل صديقنا السيد الشريف بن حمودة فلما وقع بصره على رؤيتنا انطلق لسانه بعبارات الترحاب والإعجاب فلبثنا لديه ساعة أنس خففت عنا معظم ما مسنا من التعب ثم آويت على محل الإقامة.
اكتفيت بحظ من الراحة يسير وانصرفت لإنجاز الموعد الذي أخذه مني التلامذة فقضينا أمداً في محاورة علمية بحسب ما تجذب إليه المناسبة ثم ذهبنا نتجول في المناهج والأسواق ومن رفقائنا الشيخ محمد الصالح الشواشي والسيد محمود بن رشيد التونسي حتى برزنا إلى جسر ممدود على وادي النيل وعبرناه إلى حديقة ناضرة فذكرت قول صلاح الدين الصفدي:
رأيت في أرض مصر مذ حللت بها ... عجائباً ما رآها الناس في جيل
تسود في عيني الدنيا فلم أرها ... تبيض إلا إذا ما كنت في النيل
وقلت:
عبرت على جسر أرى النيل تحته ... إلى روضة فاشتقت منهل زغوان