جنوب الأطفال وظهورهم بما ملكت يده من القوة وربما قفز الصبي آبقاً من وجع الضرب الذي لا يستطيع له صبراً فيثب في أثره بخطوات سريعة ويجلده بالمقرعة جلداً قاسياً حتى قلت لأزهري كان بجنبي (من جلس إزاء هذه المزعجات فقد ظلم نفسه) وذكرت أني كنت ألقيت خطبة في أدب تعليم الصبيان ببلد بنزرت حالما كنت قاضياً بها وأدرجت فيها ما قرره صاحب المدخل من الرفق بالصبي وعدم زيادة المعلم إن اضطر إلى ضربه على ثلاثة أسواط وتحذيره من اتخاذ آلة للضرب مثل عصا اللوز اليابس والفلقة. ولما خطبت في هذه الآداب أرسل لي بعض المعلمين كتاباً على طريق البريد يعترض فيه على نشر هذه الآداب ويقول أن هذا مما ينبه قلوب التلامذة للجسارة علينا.
وكان أمامي في هذه الجلسة تلميذان يتفاهمان كتاباً في العربية يطالعانه بمقربة منهم تلميذ ثالث حتى أتيا على قول الشاعر (على أن فاها كالسلافة أو أحلى) فقال أحد التلميذين السلافة الخمر فقال له ذلك التلميذ الذي هو بمعزل عنهما السلافة حيوان فأعاد عليه الأول القول بأنها الخمر وكرر الآخر القول بأنها حيوان فقال له صاحبه منبهاً له على وجه خطأه (أو أحلى أو أحلى) فرجع وقال السلافة شيء ضيق قال هذا ليلائم تشبيه الفم بها وأظنه اشتبه عليه أولاً لفظ السلافة بالسلحفاة سبق في ظني أن مقترحي الدرس قصدوا أن يكون قراؤه برواق المغاربة فانصرفت بعد صلاة العصر متوجهاً لذلك الرواق فأنبأوني بأنهم اختاروا أن يكون بوسط الجامع وعرضوا علي منصة بعض الأساتذة فلم يسعني إلا أجلس حيث عزموا.
أقبلت قبل الشروع في تقرير الدرس على تلميذ أعرفه بحفظ القرآن وصرف الهمة في تجويده واقترحت عليه أن يجهر بتلاوة الآية ليسمعها الحاضرون فقنعه الحياء وتقدم تلميذ آخر فرفع بها قراءته ورتلها ترتيلاً.
ونودع في هذه الخلاصة جملة من المباحث التي أوردناها في تفسير الآية عسى أن تكون أنظار بعض القارئين قد طمحت إلى الإلمام بمقاصدها.
قررنا فاتحة الدرس قول الشيخ ابن عرفة (من الناس من ينظر في وجه المناسبة بين الآية وما قبلها كابن الخطيب ومنهم من لا يلتزمه في كل آية كالزمخشري وابن عطية ومنهم من يمنع النظر في ذلك ويحرمه لئلا يعتقد أن المناسبة من إعجاز القرآن فإذا لم تظهر المناسبة