للناظر وهم في دينه ووقع له خلل في معتقده) وعلقنا عليه أن هذا الاختلاف إنما يقع لهم في الآيات التي لم تقترن بنحو حرف عطف إذ يمكن الاكتفاء في بعضها بأن اتصال الآية بما قبلها معتبر فيه الترتيب بينهما في النزول الوارد على حسب الوقائع والحاجات أما إذا اتصل بها حرف الوصل كهذه الآية فتطلب المناسبة متعين لأن رعايتها حينئذ داخلة في حقيقة البلاغة التي هي الركن الأعظم في الإعجاز. ثم أتينا على عقد المناسبة بين هذه الآية وما قبلها.
ثم انتقلنا إلى بيان قول القاضي في تفسير الآية (لا يستقيم للمؤمنين أن ينفروا جميعاً لنحو غزو أو طلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعاً فإن يخل بأمر المعاش) والبيان أما خطر انصراف الناس قاطبة إلى اجتناء ثمر العلوم وإخلاله بمطالب حياتهم فلأن الإنسان يفتقر في تحصيل معاشه ووسائل بقائه إلى مساعدة أبناء جنسه ولا يستطيع أحد أن يقوم بها وحده وإن بلغ أشده في استقامة البنية وسعة الفكر فإذا نفر الشعب بحذافيرهم وولوا وجوههم شطر الارتواء من العلم ضاعت واجبات اجتماعهم وانتقضت عليهم قواعد العمران من زراعة وصناعة وتجارة.
وأما تخلفهم جميعاً وقعودهم عن الرحلة في طلب العلم فإنه يخل بنظام العيش من جهة إن جهل القبلة بما أرشدت إليه الشريعة من العقائد والأخلاق وخلوها عما فصلته من قوانين الاجتماع وضروب السياسات يفضي إلى انتشار المفاسد واشتعال نار الفتن مثلما كانت عليه حال العرب في جاهليتهم ولا تخالجنا الريبة في هذه الحقيقة متى شاهدنا انتظام شؤون العمران وتوفر أسباب الراحة لدى بعض الأمم العارية عن الصيغة الدينية فإنها ما وصلت إلى تلك التراتيب التي ضربت بها أطناب الأمن والسكينة إلا بعد أن فتحت أعينها في نظامات الشرائع السماوية واقتدت على أثر الأمم المتدينة.
وفضائل العبادات أيضاً لها مدخل في انتظام العيش بمعنى قرار النفس ورضاها عما سخر الله لها من العيش وهذا ما يعتبره الإنسان من نفسه متى نظر إلى حالته وهو ملتفت بقلبه إلى زخارف الدنيا وقاسها بحالته إذا أقبل بسريرتها على ما يقر به إلى فاطر السماوات والأرض فإنه يجد في هذه الحالة من لذة اليقين وراحة الخاطر ما يكشف له عن كدر كان يمازج قلبه وحزازة هي أثر القساوة والإعراض بجانبه عن الطاعة فيرى أن العيش