للعبد تأثير في فعل من الأفعال وغنما تسند إليه على سبيل الكسب والاختيار (الله خالق كل شيء) ولنا في هذا المقام زيادة تفصيل تأتي في محله إن شاء الله تعالى.
والدليل على اتصافه بالوحدانية أنه لو أمكن وجود آلهين لأمكن بينهما تمانع كأن يريد أحدهما حركة زيد مثلاً والآخر سكونه لأن كلا من الحركة والسكون أمر ممكن في نفسه وكذا تعلق الإرادة بهما وحينئذ إما أن تحصيل الأمران فيجتمع الضادان أو لا يحصلا فيلزم عجزهما أو يحصل أحدهما فيلزم عجز أحدهما وهو إمارة الحدوث والإمكان لما فيه من شائبة الاحتياج وهو نقص يستحيل على الله تعالى. وقد أرشدنا سبحانه إلى هذا البرهان بقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لقسدنا) وبيانه أنه لو كان في السموات والأرض آلهة سوى الله تعالى لأنفرد كل إله بمخلوقاته. ولغالب بعضهم بعضاً ففسد نظام العالم ولم يبق على طريقة واحدة لكن الشمس والقمر يجريان بحسبان واحد والجواري الكنس والبروج من الكواكب وسائر النجوم لم تختل أحوالها. فيما خلقت له، ولم تختل مراكزها ومسالكها والسماء قائمة قياماً لا يختلف، والسحاب يجري بالماء لمنافع أهل الأرض في أوقات الحاجة إليه، والحبوب والثمار تخرج على وتيرة واحدة والبشر كلهم وكل جنس من الحيوان على ما هم عليه من الصور المخصوصة بكل جنس. وكان من المحال عقلاً اتفاق آلهين مشتركين على تدبير واحد لا يعارض بعضهم بعضاً. فانتقاء الفساد المعلوم قطعاً ويقيناً مستلزم لانتقاد تعدد الآلهة.
هذا وأن العادة المستمرة التي لم يعهد قط إخلالها في ملكين مقتدرين في مدينة واحدة عدم الإقامة على موافقة كل للآخر في كل جليل وحقير من الأمور بل تأبى نفس كل منهما دوام الموافقة وتطلب الانفراد بالمملكة والقهر للآخر فكيف بالآلهين والحال أن يوصف بأقصى غايات التكبر فكيف لا تطلب نفسه الإنفراد بالملك والعلو على الآخر كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) أي من كل ما لا يليق بجناب قدسه من الأضداد والانداد فإن مقام الألوهية يقتضي الغلبة وقد روى أن عبد الملك بن مروان قال حين قتل عمر بن سعيد الأشدق كان والله أعز علي من دم ناظري ولكن لا يجتمع فحلان في شول لما يعلم أن الرغبة تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر