تابعة للقانون المنطقي والاستحسان الشخصي فمتى رأى رأيا وقدره بنظره تقديراً ما لم يجد أمامه بعد ذلك أدلى صعوبة في جملة مبدأ له يصح أن يدلي به الناس كأصل من أصول الحياة فما المانع بعد ذلك في رأي الكاتب من أن يأخذ به الناس وأن يعملوا به مندفعين.
هكذا يخيل لمن يكتب في المسائل الاجتماعية عن شعوره الخاص بلا علم ولاهدى ولا كتاب منير، ولو حقق النظر واخترق غلف المظاهر المحيطة به واستعرض أمام عينه حالات الاجتماع بعواملها المتراكبة وبراعتها المتشبعة ونظرا للهيئة الاجتماعية وهي في حالة تدافع وتفاعل لها له ما يرى ولوقف حيث هو يتطلب من الله بصراً نافذاً يهديه إلى العلل الأولى للأشياء وإلى العوامل المهيئة للأهوال.
قلنا أن للمرأة مسألة حية في كل أمة فهي في أوروبا وأمريكا كما أثبتنا هنا عبارة عن شكوى الرجال من إفراطهن في التبرج وتخوفهم من انحلال هيئاتهم الاجتماعية بما يستتبع ذلك من الأعراض ولم أعرض فيما كتبت على ما يجأرون منه من فساد الأخلاق وشيوع المخزيات ولكن لهذه المسألة في بلادنا موضوع آخر وهو شكوى الرجال من انحطاط النساء في المعارف ووقوعهن بذلك في الأسر والاستعباد وما يتتبع ذلك من قلة إقبال الشبان على الزواج لقلة الأكفاء منهن ويلقي بعض الكاتبين تبعة ذلك كله على الحجاب.
فالحجاب في اعتقادهم صاد للمرأة عن العلم ومسقط لها تحت كلا كل الرق مفسد لأخلاقها الكريمة مانع من رؤية الخاطب لخطيبته ومعاشرته لها قبل الزواج فهو مجتمع الإزراء ومنار كل بلاء!
ولو زال الحجاب في يقينهم أصبحت المرأة عالمة بما لها وما عليها حاصلة على تمام حريتها بإزاء الرجل. أديبة مهذبة منزهة عن الأهواء وفوق ذلك تصبح عرضة للخطاب فيتهافت عليها الشبان ويستطيعون أن يعاشروها قبل الزواج فيقترن بها من يهواها عن بينة واختبار فيعيش معها عيشة السعداء (كما يعيش الأوروبي مع امرأته. . . خالي البال من المنغصات فارغ لبصدر من المكدرات فينعدم الطلاق ويقل (كما هو في أوروبا. . .) ثم يكون من أثر هذا الانتقال البديع إقبال الشبان على الزواج ورواج سوق المصاهرات فلا يعود الشرق يشكو من انتشار مبدأ العزوبة (كما لا يشكو منه الغرب الآن. . . .)