بدأ الله سبحانه الآية بالإرشاد إلى غض البصر لما في ذلك من سد باب الشر فإن النظر سهم مسموم من سهام ابليس وهو بريد الزنا ورائد الفجور ولله در من قال:
والمرء مادام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر ناظره ما ساء مهجته ... لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
فأوجب غض البصر عما يحرم النظر إليه_وجاءت السنة السنية بالعفو عن نظرة الفجأة التي لاتعمد بها قال عليه الصلاة والسلام
(لاتتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة).
ومحل الاستدلال على المدعى قوله تعالى (ولا يبدبن زينتهن إلا ما ظهر منها) قا القاضي البيضاوي في تفسيره (ولا يبدين زينتهن) كالحلي والثياب والأصباغ فضلاً عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له (إلا ما ظهر منها) عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجاً وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والزينة_والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة_وإلا ظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر_فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج ومحرم النظر إلى شيء منها إلا للضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة.
وقال الزمخشري في الكشف لزينة ماتزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبقائه للأجانب_وماخفي منها كالسوار والخلخال والدماج (٣) أو القلادة (٤) والإكليل (٥) والوشاح (٦) والقرط (٧) فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين.
وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لايحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهي عن إبداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها ممكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة وشاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتيقن الله في الكشف عنها.