إلى أن حان وقت خروجهم من المدارس وليس لديهم من المعارف ما ينفعهم في دينهم أو يرقيهم في دنياهم شأن المتقلبين في الأمور، المبتلين بتقاطع الأعمال أمثال هؤلاء المتهوسين لا يكون ضررهم قاصراً على أنفسهم بل يتناول بني جنسهم أيضاً فقد يرزقون أولاداً فلا يحسنون تربيتهم ويسيئون عشرتهم ولا أقل من أنهم يورثونهمو تلك العادة القبيحة عادة التقلب وعدم حفظ المبدأ فتفسد حالهم، ويختل نظام حياتهم ويعيشون عالة على الناس، وعباء ثقيلاً على الوطن.
إن الوالد يدعي محبة ولده وأنه يتمنى له الخير ولكن لا يعلم الطريق إلى ذلك وربما عاد سعيه بالفائدة له ضرراً وأضراراً يحب على الولدان أن قلب الولد كالمرآة الصافية ينعكس فيها نطلق خيال فذلا كان من أعظم الواجبات عليه أن يسير به السير الحسن. ويخلقه بكامل الأخلاق فإذا رأى منه يوماً عدم الثبات في الأمور والتقلب في الأحوال نصحه وعظه. وردعه وزجره مخافة أن يثبت على التلون وينشأ على التقلب وعدم الصبر فيكون في الأمة العضو العاطل بل الضربة المؤلمة على المجتمع كله هذا في الدنيا وفي الآخرة يشترك الأب وابنه في عذاب الله ومقته. ويستحقان معاً نار الله وحجيمه.
قال الإمام الغزالي في أحيائه (أن الولد أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية عن كل نقش وصورة فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم ومؤدب وأن عود الشر وأهمل شقي وهلك وكان الوزر في رقبة وليه).
ووزر الولد أيضاً ثابت كما قدمنا لتقصيره في غصلاح نفسه بعد بلوغه وإن كان أنقص من وزر الوالد والوالد تعاظم وزره لتضييعه هذه الجوهرة التي وهبها الله له وأضراره بتلك الوديعة التي لا ذنب لها إلا أنها انقادت لإشارته وصارت طوع كلمته ولولا أن الآباء شعروا بثقل هذا الحمل. وصعوبة هذه الوديعة، وما يترتب على إهمالها من الفساد لسعوا في تأديبها وتهذيبها قبل سعيهم لغذاء أجسامهم (ولو أنهم فعلوا لرأينا من نشئنا ما ينفع ويفيد).