للخير ينصحهم ولا مرشد إلى معالم دينهم يرشدهم ولا هاد إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأدب يهديهم وقد ابتلوا بكتّاب أبدلوا النصائح بالتئام واستعطاف العزائم بسرد الذمائم وتشهير المآثم يذهبون في القدح كل مذهب ويسهبون في شرح المساوي ونشر القبائح لا مادة لمقالاتهم إلا الطعن والهمز ولا روح لنصائحهم إلا الغمز واللمز رغبة في أن يقال فلان بل الغليل وجاء بما يشفي العليل بأمر الآمر منهم بالمعروف وهو أول المنتهكين لحماه وينهي الناهي عن المنكر وهو أول من يغشاه ويذم الخمر وهو في دنها غريق ويزرى بالميسر وهو له زعيم يدعو إلى الإصلاح وهو أول المفسدين ويحض على التمسك بالعدالة وهو رأس الظالمين، ويحث على الاقتصاد وهو أول المسرفين. وتراه يبالغ في الأسى والأسف علا صلابة القلوب وخمود العواطف ومن لم يأتمر به من الناس كيف يطمع أن يطاع له أمر أو يعمل له بنصيحة (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
لو أن أولئك الكتاب حفظوا لأنفسهم أمام الأمة مكاناً صالحاً لوضعت فيهم ثقتها وعلقت عليهم مستقبل آمالها ولكن أكثرهم (كما هو مشاهد) لم يحفظ لنفسه تلك المكانة فسقط من عين الأمة أنشدكم الله أيها الكتاب أهكذا كانت نصيحة المسلمين في عهد السلف الصالح وأئمة الدين؟ أهكذا كانت وصاياهم ومواعظهم للناس؟ (جدال وخصام وشتائم وسباب) كلا ثم كلا بل كانوا يأخذون الناس باللطف لا بالعنف، باللين لا بالشدة، بالهدوء لا بهذا اللغط المزعج، وبالاتحاد والتحابب لا بالتخاصم والتباغض، وبالتعاطف والتراحم، لا بالتقاطع والتنابذ، وببث روح الحياة لا بنفخ روح اليأس، مع قيامهم بالأوامر واجتنابهم المناهي.
ما أحوج هذه الأمة واشد عوزها إلى أقوام قوام بأعباء الشريعة أقوياء في دين الله نصحاء أمناء يعرفون مكامن الداء ومظان الدواء يحيون ما درس من أطلالها ويوقفون الناس عند حدودها ويميزون لهم حرامها من حلالها يصدعون بأمر الله ولا يخشون في الحق لومة لائم ولا يؤثرون العاجلة على الآجلة يسلكون في تربية عواطف الأمة تربية الحكيم العارف بمكان الضعف والقوة من ثنيات القلوب وأحناء الصدور ويهدونها إلى أمثل الطرق التي يجب اتباعها وأقوم السبل الموصلة إلى خير معاشها ومعادها بالمواعظ الحسنة والنصائح المؤثرة الباعثة على تهذيب الأخلاق وتدميث الطباع وتطهير القلوب من أرجاس الرذائل وأوضاء المثالب لعلها تدرك شأو سلفها الصالح وترتقي أوج النجاح وتصبح قابضة على