لمعارضة سائر الروايات لأنها صح فيسقط ما يخالفها قال الإمام النووي إذا روى الثقات الإثبات عنه (أي عن سيرة) الإباحة يوم فتح مكة والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم فيؤخذ من حديثه مااتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم من النهي عنها يوم الفتح ويكون تحريمها يوم حجة الوداع توكيداً وإشاعة له وقد صرح الزرقاني بنحو ذلك في شرح الموطأ وبما ذكرنا يظهران حكمهم بالخطأ على رواية الإباحة في حجة الوداع ليس رد للرواية بمجرد التشهي كما زعمه مؤلف الرسالة بل لآن سائر الطرق اتفقت على أن الإباحة إنما ثبتت عن الثقات في يوم الفتح ولا يصح لمؤلف الرسالة أن يقول أن ذلك لا يمنع رواية الإباحة في حجة الوداع لا نقول أن حكمهم على الرواية المذكورة بالخطأ ليس لما ذكرناه فقط بل لما صح من التحريم المؤبد يوم الفتح كما نقله الإمام النووي في شرح صحيح مسلم والقسطلاني في شرح صحيح البخاري والزرقاني في شرح الموطأ وابن تيمية في منهاج السنة وكما رواه الإمام مسلم في صحيحه من رواية سيرة الجهني المتقدمة. ومما يؤيد الحكم على تلك الرواية بالخطأ أيضاً أن أكثرهم حجوا بنسائهم في حجة الوداع ولم يكن يومئذ ضرورة تدعو إلى التمتع وقد وسع الله عليهم بالسبي وغيره وإنما أسقط علماء السنة الرواية المذكورة وقبلوا رواية أبي داود التي في النهي_فقط لأن الأولى قد عارضها ما هو أصح منها فسقطت وأما الثانية فلا معارضة بينها وبين غيرها.
فلم يبق حديث صحيح سوى حديث خيبر ويوم الفتح وعام أوطاس وقد بينا أن ما ورد من الرخصة عام أوطاس إنما المراد به ما وقع يوم الفتح فلم يبق بين ما صح من أحاديث التحريم تعارض ولا تناقص بل ثبت صحة ما قاله محققوا علماء السنة وهو الصواب من أن النسخ والإباحة كانا مرتين فكانت المتعة جلالاً قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت في عام أوطاس يوم فتح مكة ثم حرمت يومئذ تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة ومن هنا يعلم صحة ما قرره الإمام النووي والقسطلاني وفساد ما قاله مؤلف الرسالة في رد كلامهما وبعد هذا البيان ما نظن أن أحداً من العقلاء يغتر بما قاله من أن الأحاديث المذكورة تقتضي أن المتعة قد أبيحت ونسخت سبم مرات إذ أصبح كلامه كسراب بقيعة أو كزبد دفعه السيل فذهب جفاء ولم يبق له عين ولا أثر.