وأما الروايات التي جاءت عن سيرة رضي الله عنه في تحريم المتعة تحريماً مؤبداً فقد تعددت طرقها وكثر رواتها. ومن العيب الفاضح أن مؤلف الرسالة لم يستحسن تعدد أسانيدها الذي يزيدها قوة بل جعله من جملة الوجوه التي تدعو إلى عدم التعويل عليها كما صرح بذلك في رسالته ص٦٠ حيث قال ومن وجوه اختلاف أخبار تحريم المتعة ما وقع في روايات سيرة خاصة فإنها مختلفة اختلافاً لا يصح معه التعويل عليها ففي بعضها أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء. وفي بعضها أن الإباحة والنسخ كانا عام الفتح وفي بعضها أنهما كانا في حجة الوداع وفي بعضها الاقتصار على التحريم في حجة الوداع وفي بعضها لم يعين الوقت وهذه التي لم يعين فيها الوقت منها ما اقتصر فيها على مجرد الإباحة والتحريم ومنها على الأذن والتحريم المؤبد ومنها على مجرد النهي ومنها على النهي المؤبد ثم أخبار فتح مكة منها ما اقتصر فيه على مجرد النهي ومنها ما ذكر فيه الإباحة والتحريم ومنها ما ظاهر أن الأذن كان بعد خمسة عشر يوماً من دخول مكة ومنها ما دل على أنه كان حين دخولهم أو منها ما دل على أنه خرج مع رجل من قومه ابن عم له ومنها ما دل على أنه خرج مع رجل من بني سليم ومنها ما دل على أنه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد ومنها ما دل على أنه تمتع بامرأة منهم ببرد ين أحمرين فكم مرة تمتع سبرة في يوم فتح مكة إلخ ما ذكره.
ونقول كأن مؤلف الرسالة ظن أن الأمر إذا تعدد ناقلوه وكثر الذين حفظوه يلزم أن يكون مكذوباً وأن يتعدد وقوعه بعدد من ذكره وما نظن عاقلاً يتوهم هذا خيال والروايات المذكورة عن سبرة ليس بينها اختلاف يقتضي عدم تعويل عليها بل فيها الصحيح وغيره والجمع بين ما صح منها ظاهر وذلك أن الرواية عنه بأنها ما حلت إلا في عمرة القضاء إنما جاءت عن الحسن البصري كما نبه عليه القاضي عياض وقد بينا أنه حديث مرسل ضعيف مخالف للروايات الصحيحة فيجب تركه ولا يبقى معارضاً لغيره من الأحاديث الصحيحة.
والرواية التي فيها الإباحة في حجة الوداع خطأ كما وضحناه قريباً وأما باقي الروايات فلا منافاة بينها إذ رواية التحريم في حجة الوداع سواء كان مطلقاً أم مقيداً بالتأييد لايستلزم سبق الإباحة يومئذ بل إنما كان للإشاعة كما قررناه فيما تقدم أيضاً وللروايات التي لم يعين