قال أما سمعت قوله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره أنكم إذاً مثلهم) فاستدل عمر بالآية لأن الله تعالى جعل حاضر المنكر مثل فاعله بل إذا كان من دعا إلى دعوة مباحة كدعوة العرس لا تجاب دعوته إذا اشتملت على منكر حتى يدعه مع أن إجابة الدعوة حق فكيف بمشاهدة المنكر من غير حق (فصل في رياضة الصبيان) قال في الأحياء أعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبي أمانة عند والده وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وأن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرنا، السوء إلى أن قال ويمنع من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والسب ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسرى لا محالة من قرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء فإذ كان الصبي يصان عما نحن بصدده وهو التمثيل أولى وأحرى لاشتماله على محرمات وفواحش أعظم مما ذكر كما تقدم فاعتقاد هؤلاء الجهلاء أن التمثيل من الاعتبار وأنه ينبه الأفكار وغير ذلك مما موهوا به خطأ وكذب وضرر على الأمة وأولادهم فهو بضد ماموهوا به إذ هو يثبط الأفكار ويبطئ الإفهام لأن الاعتبار والاتعاظ لهذه الأمة إنما هو بالمعاني كالأمثال المضروبة في القرآن لا بالمحسوسات كالتمثيل المخصص بغيرهم من الأمم وذلك أن التمثيل المذكور هو من الأعيان المحسوسة المشاهدة بحاسة البصر كما هو معلوم فإن كان الاعتبار والاتعاظ بمثل هذا على زعمهم وارتاضت الصبيان عليه صار حكمهم حكم بعض الأمم الماضية في البلادة حيث أن البليد لا يدرك ولا يعقل إلا ما شاهد بعيني رأسه وإذا كان كذلك فقد غيروا سنة الله في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس المشهورين بالفصاحة والبلاغة حيث أنهم يتعظون ويعتبرون بمجرد ضرب الأمثال وقصص الأحوال التي تضمنها القرآن الكريم بأوجز عبارة وألطف إشارة قال تعالى (وتبين لكم كيف فعلنا