للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التآخي والتعاضد والقيام يداً واحداً لمعونة جولتنا المحبوبة. وقد كان للدمشقيين من ذلك الحظ الأوفر فقد رأينا الكبير والصغير والغني والفقير والتاجر والزارع والناس جميعاً ينقدون حمية وشهامة وقد ظهرت عليهم علامات التأثر والتألم. رأينا ظهر يوم الخميس الموافق ١٣ شوال الناس يهرعون للاجتماع في جامع بني أمية ومن بينهم العلماء والصلحاء والأمراء ووالي الولاية وبعد أن أدوا صلاة الظهر تحلقوا أمام ضريح النبي الحصور عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام لختم صحيح الإمام البخاري الجليل المجربة قراءته لدفع البلايا ورفع النوازل فحصل خشوع عم الحاضرين ثم بعد ذلك شاع الخبر في دمشق فتسارع الناس لحضور بركة هذا الختام وكنت ترى طلبة مدارس المسلمين من سائر الأنحاء صفاً صفاً يتسابقون للانتظام في سلك هذا المجتمع وجعل القوم يذكرون الله تعالى باسمه (اللطيف) نحواً من ساعة ثم صاروا يرددون صيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من ذلك ثم ختم هذا المشهد المهيب خطيب المسجد الشريف وبلبل منبره (الشيخ حسن أفندي الأسطواني) بدعاء مؤثر للغاية رجا الله فيه أن ينصر دولتنا ويؤدها بروح من عنده وأن يخذل كلمة الباغين المعتدين. والشيوخ والأطفال والكبار والعلماء والأمراء يؤمنون على دعائه تأميناً خالصاً من قلوب تبكي حناناً ورحمة لأولئك الأقوام البائسين مع انكسار وخضوع لله ورجوع إليه سبحانه اعترافاً بأن بيده مقاليد كل شيء وأن الأمر له كله.

وبعد الدعاء انبرى حضرة العالم العلامة المصلح الكبير الأستاذ الشيخ صالح أفندي الشريف فخطب الناس بخطاب وجلت منه القلوب وذرفت منه الدموع وجعل الناس على كثرتهم كأنهم الرجل الواحد يسمع للأمر يهمه وكان مدار خطابه على أمور ثلاثة الأول التأسف على طرابلس وذكر حدودها وأنها لبقية الباقية من أفريقيا. والثاني دعوى الناس إلى رفع الخلاف والشحنأ وأن يتحدوا ويتفقوا ويكونوا يداً واحدة على إنقاذ بلادهم والثالث دعوتهم إلى جمع الإعانات لهذه الحرب وإعلامهم بأن المال في مثل هذه الأوقات الحرجة أعظم معين لصد هجمات هذا العدو المتوحش. وقد ظهر في هذه الخطبة العظيمة لمن لم يعرف الاستاذ حفظه الله مقدار همته، وشدة غيرته، على جمع كلمة العثمانيين، وتفانيه في تأييد هذه الخلافة وجمع القلوب عليها وأن قلبه يتفتت رحمة وحناناً لأولئك الضعفاء

<<  <  ج: ص:  >  >>