الجهاد والاستعداد من أجل ما يعنى بأمره المفكرون، وأعظم ما يبحث عن شأنه الباحثون، إذ كان من نتائجهما أنه ما قامت أمه بهما وأحسنت استعمالها إلا وتم لها الحصول على ما تريد، وأرهبت بسطوتها عظماء ملوك الأرض.
الجهاد والاستعداد مما تأمر به الأديان السماوية، وتدعو إليه النواميس الطبيعية، لأنهما الحافظان لهذا النوع الإنساني والعاملان الوحيدان على بقائه حيث كان حب التفوق على الأفران، والاستئثار بمرافق الحياة غريزة من غرائز النوع البشري، وخاصة من خواصه، يتطلبهما ما وجد غليهما سبيلاً، ولا يصده عنهما إلا ما يرهبه من القوي، ويهوله من المعدات الجهاد والاستعداد يتشكلان بأشكال مختلفة، ولهما مظاهر متنوعة، يتبعان في ذلك اختلاف الزمان والمكان، وتغير الأقوام والشعوب، فشكلهما اليوم غيره بالأمس. وستكون صورتهما غداً غيرها اليوم.
كان مجموعهما بالأمس مقصوراً على المدافعة والهجوم وعلى السيف والرمح وما مثلهما وكان ذلك كافياً للتغلب على العدو ونيل الوطر منه أما هما اليوم فالاستعداد إنشاء المدرعات الضخمة ذات المدافع الهائلة وعمل المدافع الرشاشة والموز وغيرهما من آلات الرماية وتشييد المعاقل التي لا تتأثر بقذائف المدرعات واستحضار الآلات التي تمكن كل لحظة من معرفة حال العدد ما هو عليه في عامة شؤونه إلى غير ذلك من الاختراعات التي تحير الأفكار وتدهش الألباب.
والجهاد أربعة أقسام مقاومة وسياسة ونشر للمبادئ واستنزاف للثروة.
فجهاد المقاومة ظاهرة وهو القيام بوجه العدو بالآلات الحربية للتمكن منه والاستيلاء عليه.