وجهاد السياسة هو أن تبذر الأمة المجاهدة بذور الشقاق بين عناصر الشعب الذي تحاربه. وتنفخ فيهم روح التعصب لأجناسهم ومذاهبهم وتعمل على حل عرى جامعتهم من دين أو وطن. وتسعى بما فيها من قوة لتنفيرهم من ساستهم وعلمائهم فلا يلبثون إلا قليلاً حي تثور ثائرتهم. وتضرم نيران الحرب فيما بينهم وعند ذلك تتمكن من الدخول فيهم فلا تخرج إلا وقد استولت عليهم وأصبحوا من المحكومين لها والخاضعين لسلطانها.
وجهاد نشر المبادئ هو أن تنشئ الأمة المحاربة المدارس في مدن أعدائها وتبث المبشرين بدينها في عامة قراهم لتسلبهم دينهم وأخلاقهم وتعوضهم عنها بدينها وأخلاقها وبذلك يتأتى لها أخذهم بدون مقاومة وتستفيد منهم مالاً تستفيده ممن استولت عليهم بالتغلب.
وجهاد استنزاف الثروة هو أن تعمد الأمة القوية إلى تجارة الشعب الذي تريد ابتلاعه فتسعى لإضعافها، وتأتي إلى ما بيده من الحرف والصناعات فتعمل على انتزاعها. وذلك بأن تبعث إليه ما بيده من الحرف والصناعات فتعمل على انتزاعها. وذلك بأن تبعث غليه بالعارفين بفنون التجارة من شعبها. فيقبضون على زمام تجارته وتتحفه بمصنوعاتها المزخرفة فتقضي بها على حرفة وصنائعه. ولا تزال به حتى تستأصل ثروته وتسلبه جميع ما يملك وتذهله عن كل استعداد وتضعفه عن كل مقاومة وبذلك تجد فرصة لابتلاعه. ومساغاً لالتقامه.
هذا الجهاد بأنواعه الأربعة المارة، وذلك الاستعداد بشكله المتقدم هما اللذان رفعا من مقام دول أوروبا ومكناها من العالم بأسره كما أن فقد هما هو الذي حط من قدر من دونها، وأوصلها إلى ما هي عليه من الضعف.
ومن تأمل في قول الله تعالى (وجاهدوا في الله حق جهاده) وقوله عز من قائل (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) يرى أن الله جلت عظمته أوجب على هذه الأمة المحمدية أن يكون جهادها في كل وقت بحسبه إذ هو حق الجهاد (وهو شامل للجهاد بالأنواع الأربعة المارة كما هو ظاهر) وأن يكون استعدادها كذلك لأنه مما تستطيعه. يدخل في وسعها.
نعم من الواجب عليها أن يكون جهادها اليوم كجهاد الدول الكبرى واستعدادها كاستعدادهم ولكنها تركت ما افترض عليها وتمادت في غفلتها فأصابها ما نشاهده من الضعف وما نبصره من الانحطاط حتى تمكن أعداؤها من محاربتها بجميع أنواع الحرب. وقدروا أن