أراك ذكرت المحاسن وأعرضت عن المثالب كأنك لم تر ما أشار إليه ابن العميد وصدح به الصاحب ويالهما من شهيدين ملكاً في شرع الأدب نصاب العدالة ويالهما من فاضلين من شرق الفضل قرن الغزالة.
قلت:
لقد علمت ماغريا به من مذمة أقواله. ووجداه مر الطعم من عذوبة سلساله. ولاسيما ماقاواه به الصاحب وطاوله. وباراه من إظهار مساويه وحاشا أن يشاكله. وقد نشأ ذلك عن أسباب نقلت إلينا بصحيح الأخبار. وصرح بها جهابذة الأئمة متواترة الآثار. وكان الأجدر به الشكر لما أسدى إليه من الاستعانة بمعانيه. والحري به أن يبرز خرائد المحاسن من خدور مبانيه فقد ذكر الثعالبي نبذة من استعانة الصاحب بفرائده. وشذرة تحلى بها جيدة من دراري قلائده. ولولا الإطالة لأوردت منها ما حلال وطاب. وشهد على الصاحب أنه بها عد واحد الكتاب. ووما عابه عليه وأزرى قبح المطالع مع أنها بالحس أحرى قوله:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن تكن أمانيا
ولم يدر أن ذلك كان لامور. كما يظهر لك بإيراد مدائح كافور. ولقد حمل التحامل ابن العميد على أن قال وأغرب في المقال في قوله:
فترى الفضيلة لاترد فضيلة ... الشمس تشرق والسحاب كنهوراً
بعد أن أطرق ملياً يفكر فيه. ويتأمل فحوى ألفاظه ومعانيه. هذا يعطلنا عن المهم المعقول وما كان الرجل يدري ما يقول. فانظروا حياكم الله وبياكم. وأسعد الأنام بطلعة محياكم. هل هذا إلاَّ قصور عن فهم كلام البلغاء. إن لم نقل سلوك طرق التعصب في ليلة الضغائن الليلاء. إذ مثل هذا البيت لا يخفى على من هو في مرتبة الأدب أدنى فضلاً عمن حاز الدرجة القصوى. فكان قاب قوسين أو أدنى وإني تحدثاً بنعمة علام الغيوب. مستمد للأجوبة عن كثر ما نعياه عليه من العيوب. وبلم يبق إلاَّ النزر القليل وهو مما لا يخلو عن أمثاله إن فتشت نبيل.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعدّ معائبه
قال:
ما هذا الانتصار الحامل على غمص حق الأفاضل. والاعتذار الذي هو عن مناهج القبول