الحلال من الحرام، بأدلة ساطعة، وبراهين قاطعة. كيف لا وهم من الأمة الوارد في شأنها قوله صلى الله عليه وسلم (لاتزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) ولله در السائل لقد اهتدى بهديه عليه الصلاة والسلام القائل العلم خزائن ومفتاحها السؤال فسلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والمعلم والمستمع والمحب لهم. غير أنه لقلة بضاعتي في العلوم خطر لي أوهام خيلت لي قبلاً أن التمثيل ربما يكون من المستثنيات عن حكم الكذب والمحاكاة المحرمين فراجعت أقوال السادة الحنيفة التي هي وسائر المسائل الفقهية ثمرة الكتاب والحديث فلم أرد أبداً من القول بالتحريم وها إني أذكر ما عنَّ لي على صورة الإيراد والجواب مستعيناً بالله ملهم الصواب.
لا يقال أن الممثلين (بفتح الثاء) قوم انقرضوا ومضوا فلا وجه لحرمة غيبتهم لأنه لا فرق بين غيبة الحي والميت قال في الدر المختار الغيبة أنه تصف أخاك الخ قال في رد المحتار أي المسلم ولو ميتاً الخ والعقيدة الحقة التي نلقى الله عليها أن الميت يتألم ويتلذذ كالحي.
وكذا لا يقال أن هؤلاء الممثلين مجهولون وغيبة المجهول ليست بغيبة لأن جهالة أشخاصهم مع معرفة أسمائهم وأنسابهم وألقابهم وأزمنتهم وأمكنتهم لا تؤثر في سقوط حرمة غيبتهم قال في الدر ولو اغتاب أهل قرية ليس بغيبةٍ لأنه لا يريد كلهم بل بعضهم وهو مجهول قال في رد المحتار مفهومه أنه لو أراد ذلك (أي كلهم) كان غيبة تأمل أهـ وما ذاك إلا لأن الكل معلومون ولو بأنسابهم دون أشخاصهم وما نحن فيه أولى.
فإن قيل كانت العلة في تحريم الغيبة هي الإيذاء وهو إنما يوجد حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب فلربما لا يكره الممثلون محاكاتهم كما إذا مثلت الأمراء مثلاً على وجه لا يشعر بتنقيصهم بل بعدلهم ليقتدى بهم ومثل معهم من لا تحرم غيبته كالحربيين مثلاً على وجه يشعر بتنقيصهم بسبب ظلمهم لتنفر الناس عن أعمالهم فلم يلزم حينئذ حرمة التمثيل من أصله قلنا لا نسلم أن الممثلين لا يكرهون محاكاتهم حسبما صورته فإنا نجد من أنفسنا كراهة تشخيصنا على أي حال كان ولا شك أن تشخيص الأمراء تنقيص لهم قال في الدر المختار ومن ذلك (أي أنواع) الغيبة المحاكاة كأن يمشي متعارجاً أو كما يمشي مقابلاً لقوله متعارجاً دليل على أن الإنسان يكره محاكاته مطلقاً على أن مناط العلة في التحريم الكراهة ولو في الجملة إذ عدم كراهة شخص لشيء يوصف به والحال أنه يكرهه من سواه إن