فائدة مالية كبيرة ولكن ليس لديها مال تتم به ذلك المشروع الهام فهل عليها من حرج لو استدانت مالاً من أصحاب المال الوفير وأربحتهم في كل مائة خمسة أو أربعة وربحت هي من فضل أموالهم عشرين أو ثلاثين؟ إذا تقاعس أصحاب المشروعات عن إعطاء ربح لأصحاب المال تقاعس هؤلاء عن إقراضهم ومتى لم يجد أصحاب المشروعات مالاً تعطلت مشروعاتهم ووقفت بذلك حركة الصناعات والمشاريع الجسيمة وحرم الناس من فوائدها ووقفت تبعاً لذلك حركة الرقي في الأمة وسبقها غيرها في ميادين المدنية والارتقاء.
هذه أكبر الشبه التي يقدمها أنصار الربا ويزيدون عليهم قولهم أن الربا المحرم في الشرائع والقوانين الوضعية معاً هو الربا أضعافاً والمعنيون بقوله تعالى (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) هم أولئك العتاة القساة الذين يسكنون القرى والمدن ويقرضون النساء والضعفاء (الجنيه) بخمسة قروش صاغ في كل شهر أو بعشرة فتكسب مأتهم ٦٠ أو مائة ويرتهنون في نظير القرض حلي أولئك النسوة ومساكين أولئك الضعفاء فينتهي الأمر بذهاب الرهن وضياع ثروة أولئك العجزة. قالوا هذا هو الذي حرمه الشرع والوضع والطبع أما بالنسبة للأعمال الجسيمة التي تحتاج للتوازر والتكافل ويعوزها التكاتف والتضامن بين أصحاب المال وأهل العلم فلماذا يحرم ربح المال بهذا المعنى وهو إن أفاد صاحبه ٥ في المائة أفاد المقترض ٢٥ أو زيادة.
هذا قول أنصار الربا وأقول أن الربا حرام بتاتاً قليله وكثيره على آخذه ومعطيه لأن الأدلة متوفرة على تحريمه والقرائن متوازرة على ذلك. منها أن الربا حرام في القرآن الكريم بتاتاً ولم يعقب تحريمه بتفصيل أو تفريق بين الربا الفاحش والربا المعتدل أو الداخل في حركة المشروعات الجسيمة. ولو كان في تحريمه هوادة لكان ذكره الله على النحو الذي ذكر به غيره. ومنها أن هذا الشكل من التعامل بالمال محي أثره من الهيئة الاجتماعية الإسلامية في صدر الإسلام ولم يعد أحد يذكره. فإن قلت أن حركة المشروعات المدنية كانت ضعيفة قلنا قد حدثت بعد ذلك حركة نشيطة للدرجة القصوى ولم يكن الربا من مستلزمات التعامل فيها مطلقاً بل ولم يشعر بالحاجة إليه أحد.
وفي رأيي أن هذه الحركة المدنية العربية لو بقيت للآن لما شعر بالحاجة إلى الربا أحد.