ملزم أي كتاب القاضي ملزم وإن كان من غائب فاسق أو مستور الحال فلا يقبل ولو ثبت الكتاب كتابته فإذا تقرر هذا فينبغي أن ينظر أن السلك المذكور من أي قسم من هذه الأقسام فلا شك أنهُ من قبيل الخبر بالكتابة كأن محرك السلك من المبدأ يكتب بقلم طويل قد غابت يده وطرف الثاني من القلم عند المكتوب إليه ولا يعرفه أيضاً إلا بهذه الكتابة لأنه كتب فيها أنا فلان ابن فلان ولا يعبأ بهذه المعرفة من هذه الكتابة لأن صحة هذه الكتابة موقوفة على استنادها إلى الكاتب العدل وهو بمعرفته فلو توقفت معرفة الكاتب على صحة هذه الكتابة للزم الدور وبطلانه مشهور فيكون خبر السلك من الكتابة التي لا يعلم كاتبها وربما يكون على مبدأ السلك فاسقاً أو نصرانياً أو ملحداً لا يتدين بدين هذا إذا كان المخبر هو الآخذ بنفسه من منتهى السلك والمخبر هو المحرك بنفسه من المبدأ فهذه الكتابة المجهولة لا يثبت بها ما يثبت بخبر العدل أصلاً ومثلها ما كان في الأزمان السابقة من إرسال المكاتيب مربوطة على رجل الحمامة المعلمة لأن الخط يشبه الخط والطير يشبه الطير وأما إذا كان المخبر غير من حرك السلك من المبدأ والمخبر إليه غير من أخذ من المنتهى فزادت الوسائط فيكون إرسال الكتابة على يد مجهول وكاتبه مجهول * فإن قيل قد جربنا في هذا الخبر مطابقة الواقع وتطمئن نفوسنا إليه فلا ظن فوق هذا فيقال لهم قد جربتم المطابقة كثيراً منّا في إخبار الكفار نطقاً من النصارى وغيرهم واطمأنت نفوسكم سيما إذا كان من أهل الحكومة وهم يمتنعون عن الكذب إما لحرمة في دينهم أو لحفظ جاههم فلِمَ لا تجوزون القضاء بشهادتهم على المسلم والحال أن الطمأنينة الحاصلة من القرائن الخارجية لا تكفي لإثبات الحكم الشرعي بل الحكم الشرعي لا يثبت إلا من طريق شرعي عينها الشارع وهو خبر العدل نطقاً أو كتابة فإن قيل قبول خبر العدل نطقاً أو كتابة بعد ثبوت عدالته وكتابته ليس إلا لحصول الظن واطمئنان القلب فإذا كان هذا المعنى موجوداً في خبر السلك فلزم قبوله فالجواب أن هذا توهم من لم يميز بين العلة وحكمتها أو يعلل بالحكمة المحضة من غير وصف عليه مدار الحكم وحكمة العلة غير العلة ولا يجوز التعليل بمحض الحكمة عند المحققين من أهل الأصول فالحكم فيما نحن فيه قبول الخبر والعلة هي العدالة والحكمة التي بها صارت العلة علة هو حصول الظن والاطمئنان فلا يلزم وجود هذا الحكم عند وجود هذه الحكمة ألا ترى أن سيدنا الصديق رضي الله عنه لو شهد وحده في ألأمور التي