من الأساتذة المشهود لهم بكمال المعرفة وكانت له مكانة سامية عند السلطان مصطفى خان الثاني العثماني حتى روي أنه كتب خمسة وعشرين مصحفاً ماعدا الأجزاء المتفرقة ثم خلفه كثير من الأساتذة فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم وميزه على كثير ممن خلق بما تفضل به عليه وتكرم.
وهنا يحمل بنا أن نذكر ما يؤيد وجود الكتابة في العرب ومعرفتهم بها نقلاً عن كتاب (بلوغ الأرب في أحوال العرب) باختصار فمن ذلك ما استلموه في لغتهم من الألفاظ الموضوعة لآلات الكتابة والكتَّاب إذ لو لم يعرفوها لم يضعوا تلك الألفاظ لمعانيها كقولهم (الدواة) وجمعها دوى ودويات (والليقة) اسم القطن أو الصوف الذي يلصق به المداد وهو من قولك لاق به الشيء يليق إذا ألصق به وسمي المداد (مداداً) لأنه يمد الكاتب. ومددت الدواة جعلت فيها المداد والمدة بالفتح غمس القلم في الدواة مرة للكتابة. وقد خثرت الدواة خثوراً إذا ثخن نقسها وهو المداد يقال له (نقس وانقاس) والقلم قبل أن تبريه يقال له أنبوبة فإذا بريته فهو قلم وما يسقط منه عند البري يسمى (بالبراية) وأنقت القلم حددت طرفه وشباته حدة. وقططته قطً والمقط مايقط عليه، والقط القطع عرضاً، والقدان يقطع الشيء طويلاً ويقولون قلم رشاش وذلك إذا حاف الشق على أحد جانبيه فدق وتعثر (أي كبا) بشظايا الكتاب (أي بأعصابه) ورشتش المداد، وتقول حقي القلم من كثرة الكتابة (أي رق) وتقول كتبت كتاباً وهو مصدر وإنما يطلق على المكتوب على السعة والكتابة صنعة الكاتب والطرس الكتاب الممحو الذي يستطاع أن تعاد فيه الكتابة أو الصحيفة التي محيت ثم كتبت والتطريس إعادة الكتابة على المكتوب وطرَّس الكتاب سوده والطلس باللام الصحيفة أو كتاب لم ينعم محوه فيصير طرساً وأنمجت نقطة من القلم ترششت ومجمج الكتاب ثيجه ولم يبين حروفه والتثبيج تعمية الخط وترك بيانه والصحف ما كان من جلود والقطا الصك وكتاب المحاسبة والمجلة صحيفة كانوا يكتبون فيها الحكمة قال النابغة:
مجلتهم ذات الآلة ودينهم ... قويم به يرجون خير العواقب
والعهدة كتاب الشراء وهي وثيقة المتابعين وكتب له منشوراً يشد ورجعة الكتاب ورجعانه جوابه ويقال أجابه في هامشة كتابه إذا كتب بين السطرين وهو من قولك تهامش القوم إذا دخل بعضهم في بعض وهمش الجراد إذا تحرك ليثور وتقول نقطت الكتاب وأعجمته