أما فرض أنه كان متظاهراً بتلك الخلال الكريمة والصفات القويمة رياءً فأوهى أمام الامتحان من الفرض الأول. لأن الرياء صفة النفوس المنحطة وديدن أصحاب القلوب الخوارة وهي خصلة عالية وصبغة ظاهرية إن استترت حيناً انكشفت بعده لا محالة بطبيعتها لأن الرياء لما كان حبالة لصيد أو وسيلة لكيد فهو ثوب مستعار تنفعل له النفس انفعالاً ما دام فيها أمل للوصول إليه ويكون شأنه كشأن سائر الصفات العارية من التلاشي أمام العوارض الفجائية والزوال أمام المخاوف الطاءرة! فصاحب هذا الحال يكون دائماً مضطرباً مذبذباً يكاد يظن أن نفسه تنم عليه! ثم إن حوادث الحياة وطوارق الحدثان وماجريات الأحوال كاشفات للغش فاضحات للتدليس فلا تجد مرائياً بالزهد أو بالشجاعة أو بالكرم إلا وقد فضح أشنع فضيحة أمام الناس لا سيما إن كان متعرضاً للحوادث يعالجها أو متصدياً للخلائق يكافحها! ومن أبعد الفروض عن العقل أن يدعي مدع إمكان الثبات على مثل هذا الرياء حياة بأكملها لأن المراآة لا تكون إلا نيل غرض فإن حصل ذلك الغرض عاجلاً أو آجلاً ضعفت المراآة وشفت عما وراءها من التمويه لأن نفس المرائي لا تكون عادة إلا نفساً منحطة سافلة يستطيرها بارق الأمل ويزدهيبها ظاهر النجاح فتفتضح سنة الله في خلقه ليتميز الحق من الباطل.
أما الفرض الثالث وهو أنه استطاع أن يكتم رياءه على أخص أصحابه ونسائه. فهذا الفرض أضعف أمام التمحيص من سابقيه لأن تاريخه دلنا أن كل صاحب أصحابه مثله فمن كانوا من أصحاب التدليس يكون لهم أخصاء على شاكلتهم يعاونونهم على نيل بغيتهم ويشاطرونهم المغنم من فضلتهم وقد دل تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أخص أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا على شاكلته من الزهد في الدنيا والبعد عن زخارفها وقد تولوا الخلافة بعده بانتخاب الأمة لهم فلم تفتنهم السلطة ولم تستخفهم أبهة الملك وما كانوا إلا خدماً لمن تولوا شأنهم يلبسون أقل مما يلبسون ويأكلون أدنى مما يأكلون، يبيتون ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً. وها هن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين كن أمثلة كمال وفضيلة وعلى غاية من الزهد والصلاح حتى لحقن به طاهرات تقيات فما هذا الرياء الذي يبلغ هذا المبلغ وما هي الفضيلة بعد ذلك؟.
أما فرض أن الله أيده ونصره مع اتصافه بهذه الصفات فهو أوهن من كل الوجوه التي