مرت! ومتى عهد أن الله يؤيد المرائين المفترين ويمكنهم من التسلط على قلوب العالم عامتهم وخاصتهم لا سيما وهم منتحلون لقب النبوة وواسمون أنفسهم بسيماء الرسالة وهي أكبر حوادث الوجود الإنساني خطارة. إذا ساغ لإنسان أن يفرض هذا الفرض فقد اتهم عدالة الله تهمة يستوجب عليها التعزير الكبير وأساء النظر في النواميس الاجتماعية كل الإساءة ودل على مقدار غفلته عن نظام الكون ونظام التهيئات الاجتماعية وإذا ساغ لأحد أن يفرض هذا الفرض فقد شك في سائر الديانات لأن الخالق إن أيد الباطل لهذه الدرجة فلا يبعد أن تكون سائر الديانات السابقة باطلة ولكن المعروف من رحمة الله ومن أحوال الكون بما لا شبهة معه أن الله عدو المبطلين المفترين وأن ملائكته والوجود وما فيه أعداء ألداء لهم بل أن نظام الكون وما أودع الله فيه من علائق مرتبة بين العلل والمعلولات وبين الأسباب والمسببات يأبى أن ينجح المبطلون أو يفوز المفترون والمدلسون! ذلك لأن التدليس والافتراء وما شاكلهما صفات منحطة لا تناسب إلا النفوس الساقطة ولا يمكن أن تكون النفوس الساقطة طليعة للانقلابات المرقية بوجه من الوجوه!
وقد نقل المسيحيون فيما نقلوه من أقوال عيسى عليه السلام في الإنجيل أنه لما قال لهم سيظهر بعدي أنبياء كذبة فاحذروهم - أن بعضهم سأله بأي علامة نميزهم فقال علامتهم أن الله لا يؤيدهم فما قولك فيمن أيده الله ونصره وأعلا كلمته وأظهر دينه على الدين كله؟.
أما فرض أنه مع اتصافه بذلك يأتي بأعمال تفوق ما عمله المرسلون فعجيب جداً لأنه لو تجاسر إنسان وفرض أن الله ربما ساعد المفترين المدلسين فهل يعقل أن يساعدهم حتى يأتوا بما يفوقون به سائر الأنبياء والمرسلين. وهذا هو التاريخ أمامنا ناطق بأن ما أتاه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في مدى ثلاث وعشرين سنة من أول رسالته إلى يوم وفاته من هدم الوثنية من جزيرة العرب بأسرها وتأسيس أمة حية ركينة الرابطة قامت بأجل عمل في العالم مما لم يتسن مثله لأي رسول سابق فهل يتصور أن الله يأخذ بيد المفترين حتى يعلو بهم على الأنبياء والمرسلين.
متى عهدنا أن الله تعالى يعلي شأن الرذيلة ويحط قدر الفضيلة بل متى عهدنا أن الله يرفع التدليس على النبوة.
أما فرض أن الأمة كانت من الغباوة بالمكان الأسفل حتى راج فيها كل هذا التدليس فمن