للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللاتيني فيه أكثر المدارس العالية التي ترسل مصر شبانها ليتلقوا فيها الحقوق والطب أو غيرهما ولا مندوحة لهم عن الإقامة هناك والتعرض لتلك الأخطار في المراقص والملاعب حيث يختلط الشبان بالشابات فلا ينجو من ذلك الخطر إلا قوي الإرادة ثابت العزيمة ولكن الإنسان ضعيف ولاسيما الشاب القادم من بلاد لا يرى فيها المرأة إلا محتجبة وهو في بلده بين أهله ومعارفه يمنعه الخجل من مخالطة غير المحتجبات أما في باريس وكل شيء فيها مباح فإنه يرى الشبان والشابات في الطرق أزواجاً (غير مطهرة) ذكراً وأنثى بلا حرج ولا خجل يتداعبون ويتغازلون ويجد من رفاقه من يغريه على الرذيلة ويحببها إليه باسم الحرية فإذا أحجم عيره بالضعف فهل يلام أولئك الشبان على السقوط وإنما على اللوم على الذين يرسلونهم إلى تلك المدارس وإذا كان لا بد للحكومة المصرية أو الآباء من إرسال أبنائهم إلى مدارس فرنسا فمن الخطأ إرسالهم إلى باريس وتعريضهم لتلك الأخطار على أن الطبقة من النساء ليست كلها من أهل تلك العاصمة فإن فيهن كثيرات من أهل الأرياف الفرنساوية أو من خارج فرنسا وبعضهن من روسيا وألمانيا وغيرهما ويندر بينهن القادمة إلى باريس بقصد العهارة.

وإنما يفد أكثرهن إليها للارتزاق ببعض المهن فيتعرضن للوقوع في تلك الفخاخ ويعينهن الفقر على الوقوع فيها لأن البائعة في مخزن وأجرتها فرنكان أو ثلاثة في اليوم تنفقها على الطعام واللباس والمنام يقع نظرها كل يوم على عشرات من شبيهاتها في الخلقة أو أقل منها جمالاً وكل منهن قد تأبط زندها شاب كساها أحسن الأقمشة وزينها بأجمل الحلي فإذا قويت هذه البائعة المسكينة على محاربة الحسد فإنها لا تقوى على مدافعة من يتعرض لها من أولئك الشبان الذين يغرونها بالمواعيد العريضة ويتحببون إليها بإطراء جمالها وشكوى الغرام وغير ذلك فتقع في الشراك ولا يعاشرها ذلك المغرم إلا مدة ثم ينتقل إلى سواها.

فتصبح غير قادرة على العمل في مهنتها الأولى ويهون عليها الارتزاق من أمثال ذلك الشاب واعتبر كيف تكون حالها متى ذهب شبابها وذوي جمالها فالعلة الأصلية في شيوع التهتك بباريس إنما هو إطلاق سراح الفتاة ومساواتها للرجل وتكليفها الإرتزاق مثله وإباحة الحكومة للفحشاء رسمياً وزد على ذلك أن الفتور الديني شائع في فرنسا حتى أصبح شبانها يعدون العهارة ضرباً من التجارة ولا فرق عندهم بين الفحشاء والتمتع بسائر ملاذ الحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>