تجارتهم وصال لهم المحل الأرفع في التقدم والارتقاء التام في كل علاء قلنا إن كان الذي تدعون إليه هو هذه الفنون الحديثة مجردة عما قدمناه من العلم الديني فلا خير في ذلك ولا نتيجة مفيدة له بل ذلك مضر بالوطن موجب له الخزي والفشل أي خير يتأمل من رجل أتى على هذه الفنون بتمامها ثم لا يبالي بفرائض الله تعالى ولا يقف عند حدوده التي حدها؟ أي فائدة ترجى ممن صلاته وزكاته وحجة وصيامه ويبعه وشراؤه وسائر أعماله على خلاف ما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع شرع هواه، ويقبل على ما تسوله إليه نفسه نحن لا نقول بحرمة تتعلم جميع العلوم العصرية ولا بمنع الناس من دراستها باعتبار ذاتها لأن العلم من حيث هو علم لا يذم منه إلا ما كان مخالفاً للدين مضاداً لساسه وهذه العلوم التي تدرس اليوم لولا ما انتابها واختلف عليها من أوهام أولئك الطبيعيين وضلالاتهم لقلنا بالتضلع منها لبعض الناس وبتعلم مبادئها للناشئة منهم.
كم أسست معاهد للعلم العصري في بلادنا؟ وكم شيدت مدارس لإحيائه؟ وكم أنفق من الأموال ابتغاء تقويته؟ فماذا نتج عن كل ذلك؟ وما هي الفائدة التي حصلت للوطن بعد تجشم هذه الصعاب وتحمل هذه المشاق.
إن تقويتنا للعلم لا يقصد منها إحياء العلم ولا رفع شأنه بل يقصد منها تقليد أوروبا ومن شأن الضعيف أن يستميت في تقليد القوي ليصل إلى ما وصل إليه. إن الدعوة إلى العلوم العصرية مضرة إذا لم تقترن بالدعوة إلى علوم الدين بل في رأينا أن أكثر هذه العلوم الجديدة فضلاً عن أن بعضها لا يخلو من مخالفة للدين ومبادئه مستغنى عنه غير محتاج إليه لعدم فائدة حقيقة منه للوطن بين ظهرانينا ألوف من الشبان بأيديهم شهادات عالية تؤذن بدراستهم هذه العلوم وتمكنهم منها لم نر منهم ما يفيد الوطن أو يرفع مقامه أو يغنيه بشيء قليل عن أوروبا ولو ضموا إلى علومهم دراسة الآداب الإسلامية، وتحققوا بالأخلاق المحمدية لظهر منهم خير كثير ولو ظلوا على سذاجتهم الأولى من الأخلاق والعادات لنمى ضررهم ولكانوا بالنسبة للوطن لا له ولا عليه إن علماء الإسلام لم يحرموا تعلم النافع من العلوم الحديثة بل قالوا بلزوم تعلم كل ما لا يستغنى عنه في قوام الدنيا وعدوا ترك ذلك من الذنوب والجناية على الدين لأن التساهل في ذلك أقل ما ينشأ عنه عدم إعدادنا القوة لأعدائنا فتنحط بذلك كلمتنا ويخفض شأننا وتذهب بلادنا ونحن في نص الكتاب المجيد