مأمورون بإعداد القوة لهم ما استطعنا فتعلم ما يؤول بنا إلى إعداد القوة بل كل مال غنية لنا عنه في قوام أمر دنيانا فرض كفاية لا محالة وإليك ما قاله الإمام الغزالي تأييداً لهذا. قال: اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم والعلوم بالإضافة إلى الفرض الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية وأعني بالشرعية ما أستفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامة ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب ولا التجربة مثل الطب ولا السماع مثل اللغة فالعلوم التي ليست شرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم وإلى ما هو مباح فالمحمود ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة وأما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين فلا يتعجب من قولنا أن الطب والحساب من فروض الكفايات فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل والحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك فإن الذي أنزل الداء نزل الدواء , ارشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله الخ ما كتبه الإمام رحمه الله تعالى.
أبعدها يصح قول من يقول أن تعلم المفيد من العلوم العصرية ممنوع عند علماء المسلمين؟ فلم يبق في المسألة إلا أن الدعوة إلى العلم إذا أريد بها العلوم العصرية فقط لا تصح بل نكون فيها كمن يبحث عن حتفه بظلفه، ويجدع مارن أنفه بكفه فمن الواجب علينا العناية التامة بتعلم ما يجب علينا من العلم الديني لننتفع به في ديننا وتصحيح عباداتنا ومعاملاتنا وتعلم ما يفيدنا ويؤول بنا إلى إعداد القوة لعدونا والاشتغال بما يرفع شأن البلاد.
حببت إلينا الدنيا وزينت إلينا شهواتها وأصبحت هي الغاية والمقصود، والمبتغى والمأمول فأقبلنا على كل ما ظننا أنه يوصلنا إليها، وسارعنا إلى ما توهمنا أنه يقربنا منها، ورغبنا عن المقصود الأعظم والمطلوب الأول وهو متابعته صلى الله عليه وسلم والوقوف عند حدوده التي حدها، والسعي وراء ما يعود علينا بالمصلحة العامة.