للسؤر، ليس كذلك لأن الفصل غير مخصوص بالسؤر، ألا - ترى كيف قال المصنف: فصل في الأسآر وغيرها، أي وغير الأسآر وهو العرق واللعاب والدمع. وأما قول السغناقي: إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد. . إلى آخره، فليس كذلك.
وأما كون تولد العرق من اللحم فظاهر، وأما تولد السؤر منه فليس كذلك؛ لأن السؤر بقية الماء الذي يبقيها الشارب كما ذكرنا، فمن أين يتولد من اللحم. غاية ما في الباب أنه يمتزج باللعاب، والدليل عليه ما قاله صاحب " الهداية " على ما يجيء. وسؤر الآدمي ما يؤكل لحمه طاهر، لأن المختلط باللعاب أي: المختلط بالسؤر اللعاب وقد تولد من لحم طاهر، ولكن أيضا ناقض كلامه؛ لأنه ذكرها هنا أن السؤر مختلط به اللعاب وذكر فيما قبله على ما يجيء لأنهما متولدان من لحمه، والسؤر لا يتولد من اللحم وهذا لا خفاء فيه، وإنما يمتزج من اللعاب وهو متولد من اللحم.
وأما قول صاحب " الدراية ": إلا أن يكون أحدهما مقيسا والآخر مقيسا عليه؛ لأنهما متولدان من اللحم فغير موجه أصلا لما ذكرنا من أن السؤر لا يتولد من اللحم، فإذا كان كذلك صار حكم أحدهما مقيسا، وحكم الآخر مقيسا عليه. وقال تاج الشريعة: وعرق كل شيء معتبر بسؤره، يعني يقاس العرق على السؤر مرة، ويقاس السؤر على العرق مرة أخرى، وعلى هذا ينبغي أن يكون عرق الحمار مشكوكا فيه، لكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ركب الحمار معروقا حكم بطهارته.
وقال الأترازي: في هذا الموضع وكان الأولى أن يقول المصنف: "وسؤر كل شيء معتبر بعرقه" لأن الفصل بيان للسؤر لا للعرق. قلت: ادعاء الأولوية بطريق لا يجديه لما ذكرنا، وقال السروجي: قال في "المنافع" ثم الأصل أن ما يكون لعابه طاهرا يكون معتبرا به، وهذا أوجه من قول صاحب " الهداية ": وعرق كل شيء معتبر بسؤره، لوجوه ثلاثة:
أولها: أن الفصل في السؤر وهذا إنما يعتبر باللعاب بحسب طهارته ونجاسته، فلا يناسب ذكر العرق هاهنا.
ثانيا: أن حكمها مأخوذ من غيرها وهو اللحم. فلا يؤخذ حكم أحدهما من صاحبه.
وثالثها: أن عرق البغل أو الحمار طاهر في المختار بلا شك، وسؤرهما مشكوك فيه في الصحيح. قلت: في كل من الوجوه الثلاثة نظر: أما الأول، فقوله:"الفصل في السؤر" ليس كذلك، لأنا قلنا: إنه في السؤر والعرق. وأما الثاني: فقوله: إن حكمهما مأخوذ من غيرهما وهو اللحم، غير صحيح؛ لأن السؤر غير مأخوذ من اللحم كما ذكرناه. وأما الثالث: فلأن