فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حكم البخاري في "تاريخه " أنه سمع أبا حميد، وأبا قتادة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقوله: - قتل مع على - رواية شاذة رواه الشعبي، والصحيح الذي أجمع عليه أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي، والواقدي، والليث، وابن منده.
قلت: القائل بأنه لم يسمع من أبي حميد هو بين الحجة في هذا الباب، وهو قول الهيثم بن عدي، وهذا صححه ابن عبد البر، فكيف يقول البيهقي هذه رواية شاذة، فلم لا يجوز أن تكون رواية البخاري شاذة؟ بل هي شاذة بلا شك؛ لأن قوله لا يرجح على قول الشعبي، والهيثم بن عدي، وفي هذا الحديث علة أخرى وهي أن بين محمد بن عمرو بن عطاء، وبين أبي حميد رجل مجهول، بين ذلك الطحاوي، فقال: حدثنا سهيل بن سليمان، ثنا يحيى وسعيد بن أبي مريم، قال: ثنا عطاف بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال حدثنا رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جلوسا.. الحديث. وعطاف وثقة ابن معين، وعنه صالح، وليس به بأس. وقال أحمد: من أهل مكة ثقة صحيح الحديث.
والدليل على أن بينهما واسطة أن أبا حاتم بن حبان أخرج هذا الحديث في "صحيحه" من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي. الحديث، وذكر المزني، ومحمد بن طاهر المقدسي في أطرافها، عن أبي داود أخرجه من هذا الطريق، فظهر من ذلك أن هذا الحديث منقطع ومضطرب السند والمتن أيضا.
وأما حديث أبي هريرة فإنه من طريق إسماعيل بن عياش عن صالح بن كيسان وهم لا يجعلون إسماعيل فيما روى عن غير الشاميين حجة، فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج بمثله عليهم لم يسوغني إياه، وقال [......] إسماعيل في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه، فخرج عن حد الاحتجاج به. وقال ابن خزيمة لا يحتج به.
وأما حديث وائل بن حجر فقد ضاده ما رواه إبراهيم النخغي، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه لم يكن رأى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نقل مما ذكرنا من رفع اليدين من غير تكبيرة الإحرام فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفهم بأفعاله من وائل، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه، وكان عبد الله أكثر الولوج على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ووائل بن حجر أسلم في المدينة في سنة تسع من الهجرة وبين إسلامهما اثنان وعشرون سنة، فحينئذ حفظ ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لم يحفظه وائل وأمثاله، ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين