للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وله أخ أو أخت من أم) (١). ومهما ادعى عبقري من طاقة أو جهبذي من جهد فلن يستجاب لهما بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه، إلا أن يبتغي تغيير معنى كما حاول أهل القرية (أنطاكية) التي ذكرت في سورة الكهف الآية (٧٧) استبدال كلمة "فأبوا" بكلمة "فأتوا" في قوله تعالى: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}، فردهم إلى الصواب حفظًا للتنزيل.

وتتجلى كل قراءة بجزالة مبانيها وغزارة معانيها. ومن الإنصاف ألا يخوض المرء فيما لا جدوى فيه بل يتلقاها بقوة إيمان وكمال عقيدة، وهاك مقتطفات من أزهار حدائقها المونقة من نحو قوله تعالى: قل العفوَ، .. العفوُ - وضعَتْ، وضعْتُ - يُصْلحا، يَصَّالحا - يومُ، يومَ - آزرَ، آزرُ - يسيركم، ينشركم - هل يستطيع ربُّك، هل تستطيع ربَّك - سيئهُ، سيئةً - عجبتَ، عجبتُ - فلا تتناجوا، فلا تنتجوا.

وما في نحو: يسَّاقط، ويتقه، يخصِّمون، نعما، من الأوجه ما لا يدع مجالًا للرأي ولا للابتداع. ولا شكَّ أنه قد نسخ بعض القرآن في العرضة الأخيرة، كما نسخت بعض الأحرف السبعة التي نزل بِها القرآن. ومن أمثلة ذلك ما روي عن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِبمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتِ مَعْلُومَاتِ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخنَ بِخَمْسِ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ وَهُنَّ فيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ (٢).

وقال ابن الجزري: ولا شك أن القرآن نُسخ منه وغُيِّر في العرضة الأخيرة، فقد صحَّ بذلك النصُّ غير واحدٍ من الصحابة (٣).


= والتحسس: التعرف من الحس ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان الحواس بالحاء والجيم، والمراد النهي عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه، وعن مجاهد: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره الله (الكشاف للزمخشري ٤/ ٣٧٥، وابن عطية في المحرر الوجيز ٥/ ١٥١).
(١) وهي قراءة سعد بن أبي وقاص (تفسير البغوي ١/ ٤٠٤، والبرهان ١/ ٣٣٧).
(٢) أخرجه مسلم في الرضاع باب التحريم بخمس رضعات (١٤٥٢). قال الإِمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (١٠/ ٢٩) وقولها: "فتوفي رسول - صلى الله عليه وسلم - وهنَّ فيما يُقْرَأُ" هو بضم الياء من يقرأ، ومعناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًّا حتى إنه توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنًا متلوًّا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.
(٣) النشر في القراءات العشر (٣٢١)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>