للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اتفق العلماء على أن جمعَ القرآن في زمن أبي بكر الصديق، بقي على نفس الصورة التي تركها عليه النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتغير منه شيء، سواء في ذلك من رأى أن الأحرف السبعة باقية كلها، ومن قال إن الأحرف نسخت ولم يبق إلا واحدٌ، ومن ذهب إلى أن الباقي بعض الأحرف السبعة (١).

[الفرق بين القراءات والأحرف السبعة]

اختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال أبو جعفر: فأما ما كان من اختلاف القراءة، في رفع حرف وجرِّه ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر، مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أنْ أقْرَأ القُرآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ" بمَعْزِلٍ، لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن، مما اختلفت القراء في قراءته بهذا المعنى، يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة، وقال البعض: وقد دأب من تعرض للحديث عن القراءات بأن يقرن بين الأحرف السبعة والقراءات السبع، مما يتبادر إلى الأذهان أن القراءات هي الأحرف، وبخاصة بعد أن اشتهرت القراءات السبع في الأمصار وأصبح الناس يتحدثون عن قراءات سبع وأحرف سبعة.

والأحرف السبعة هي التي جاء الحديث الصحيح بالإشارة إليها في قول النبي: "إنّ هذا القرآنَ أُنْزِلَ على سبعةِ أحرفٍ فاقرؤوا منه ما تيسّرَ" (٢).


(١) البرهان في علوم القرآن (١/ ٢٢٣)، ومناهل العرفان (١/ ٢٥٣ - ٢٥٤).
(٢) حديث صحيح الإسناد. أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (٤٩٩٢) عن عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال: أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: كذبت فإن رسول الله قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذلك أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذلك أنزلت: .. " به.

<<  <  ج: ص:  >  >>