ويميل جمهور العلماء إلى أن المصاحف العثمانية اشتملت على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة.
واختار القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني هذا الرأي وقال: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضبطها عنه الأئمة، وأثبتها عثمان والصحابة في المصحف وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترًا.
وعبارة "الأحرف" - وهي جمع حرف - الوارد في الحديث تقع على معانٍ مختلفة، نقد تكون بمعنى القراءة كقول ابن الجزري:"كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر" وقد تفيد المعنى والجهة كما يقول أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي.
وحكي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ العربية أن القراءات هي الأحرف، ولن تجد كتابًا تعرض لهذه المسألة إلا أشار لهذا القول بالتوهين والتضعيف.
وأحب هنا أن أوضح رأي العلامة الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدي، فهو بلا ريب إمام العربية وحجة النحاة، ولا شك أن انفراده بالرأي هنا لم ينتج من قلة إحاطة أو تدبر، ومثله لا يقول الرأي بلا استبصار، وانفراد مثله برأي لا يلزم منه وصف الرأي بالشذوذ أو الوهن!
وغير غائب عن البال أن الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي توفي في عام (١٧٠ هـ) لم يدرك عصر تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد، وهو الذي توفي عام (٣٢٤ هـ) كما أشرت في اقتصاره على سبعة قراء دون غيرهم ممن ذكرهم في كتابه.
ولم يكن الخليل بن أحمد يعني بالطبع هذه القراءات السبع التي تظاهر العلماء على اعتمادها وإقرارها بدءًا من القرن الرابع الهجري، ولكنه كان يريد أن ثمة سبع لهجات قرأ بها النبي وتلقاها عنه أصحابه، ومن بعدهم أئمة السلف، وهي تنتمي إلى أمهات قواعدية لم يتيسر من يجمعها بعد - أي في زمن الخليل - وأنها لدى جمعها وضبطها ترجع إلى سبع لهجات، وفق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا القرآنَ أُنْزِلَ على سبعةِ أَحْرُفٍ".