قال أئمَّتنا - رحمهم الله تعالى -: ولابن كثير في فعله هذا دلائل - من آثار مروية وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختيار عن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - ثم صار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها، ويسمُّون من يفعل ذلك: الحال المرتحل؛ للحديث الذي رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلًا قال:"يا رسول الله" أيُّ الأعمال أفضل؟ قال:"الحالُّ المُرْتَحِلُ"، قال: وما الحالُّ المرتحل؟ قال:"صَاحِبُ القُرآنِ؛ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ" وهو حذف مضاف؛ أي: عمل الحال المرتحل.
وورد - أيضًا - عن سلفنا - رحمهم الله - الدعاء عقب الختم. وقد روينا في "معجم الطبراني الأوسط" عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأ القُرآنَ، كَانتْ له عِندَ اللهِ دَعوْةٌ مُسْتَجَابةٌ"، فلذا كان بعض شيوخنا يستحب أن يكون القارئ هو الذي يدعو؛ عملًا بظاهر الحديث، وروى الحافظ أبو عمرو الداني وغيره من طريق ابن كثير:"أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدعُو عَقبَ الخَتمِ بِدُعَاءِ الخَتمَةِ".
وروى أبو منصور الأرجاني في كتابه "فضائل القرآن" عن داود بن قيس، قال: كان رسول الله يقول عند ختم القرآن: "اللهم، ارحمني بالقرآن، واجعله لي إمامًا ونورًا وهدًى ورحمة، اللهم ذكرني منه ما نُسّيتُ، وعلمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل والنهار، واجعله لي حجة يا رب العالمين". انتهى كلام ابن الجزري، رحمه الله.