تلقى القراءة على الإمام نافع جموع لا تعد من المدينة والشام ومصر وسائر بلاد الإسلام، وممن تلقى عليه: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وأبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن وردان، وسليمان بن مسلم بن جماز، وعثمان بن سعيد، وعيسى بن مينا، وغيرهم، ويعد أشهر الرواة عنه راويان؛ هما: قالون، وورش.
* * *
أما الراوي الأول: فهو أبو موسى عيسى بن مينا. ولقب بقالون لجودة قراءته؛ فإن "قالون" بلغة الروم: جيد.
مولده: ولد قالون: سنة عشرين ومائة، وقرأ على نافع سنة خمسين ومائة، واختص به كثيرًا، فيقال: إنه كان ابن زوجته، وهو الذي لقبه بـ "قالون" وكان "قالون" قارئ المدينة وتخومها، وكان أصم لا يسمع البوق، فإذا قرئ عليه القرآن يسمعه بنظره إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ، وكانت قراءة قالون على نافع سنة (١٥٠ هـ).
سئل: كم قرأت على نافع؟ فأجاب: ما لا أحصيه كثرة. حنى قال له نافع: لم تقرأ عليَّ، اجلس إلى أسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ عليك.
وروي عن قالون من طريقين الأول: طريق أبي نشيط. والثاني: طريق الحلواني.
وتوفي قالون سنة عشرين ومائتين؛ على الصواب.
* * *
أما الراوي الثاني: ورش: فهو عثمان بن سعيد المصري، وكنيته: أبو سعيد، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو القاسم، وورش لقبه، كان قصيرًا أشقر اللون، يلبس ثيابًا قصارًا، فشبهه نافع بالورش؛ وهو طائر معروف، ثم خفف فقيل ورش. وقيل إن الورش شيء يصنع من اللبن، لقب به لبياضه، ولزمه ذلك حتى صار لا يعرف إلا به. وقد أطلق عليه هذا اللقب أستاذه نافع كما ذكر ورش نفسه حيث قال: أستاذي سماني به.
مولده: ولد ورش سنة عشر ومائة ورحل إلى المدينة؛ ليقرأ على نافع، فقرأ عليه أربع ختمات في سنة خمس وخمسين ومائة، ورجع إلى مصر، فانتهت إليه رئاسة الإقراء بها؛ فلم ينازعه فيها منازع مع براعته في العربية، ومعرفته بالتجويد، وكان ثقة حجة جيد القراءة، حسن الصوت، يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب، لا يمله سامعه.