أيضا قد حدثني ببعضه فدخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى عمر بن الخطاب، وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس، وكان رجلا تاجرا فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو نفسه فيها وربما كفيها فرعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي: يا جارية أتحبين أن أرغي لك أو أصرح، فربما قالت: أرغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة فأقام بها ونظر في أمره فقال: لا والله ما يصلح أمر الناس التجارة وما يصلح لهم إلا التفرغ والنظر في شأنهم وما بد لعيالي مما يصلحهم، فترك التجارة واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم ويحج ويعتمر، وكان الذي فرضوا له كل سنة ستة آلاف درهم، فلما حضرته الوفاة قال: ردوا ما عندنا من مال المسلمين فإني لا أصيب من هذا المال شيئا، وإن