بطائفة فجمعت مما حدثوني من ذلك قالوا: لم يكن أحد من الأوس والخزرج أوصف للحنيفية ولا أكثر مسألة عنها من أبي قيس بن الأسلت. وكان قد سأل من بيثرب من اليهود عن الدين فدعوه إلى اليهودية، فكاد يقاربهم ثم أبى ذلك وخرج إلى الشأم إلى آل جفنة فتعرضهم فوصلوه، وسأل الرهبان والأحبار فدعوه إلى دينهم فلم يرده وقال: لا أدخل في هذا أبدا. فقال له رابه بالشأم: أنت تريد دين الحنيفية. قال أبو قيس: ذلك الذي أريد، فقال الراهب: هذا وراءك من حيث خرجت دين إبراهيم، فقال أبو قيس: أنا على دين إبراهيم وأنا أدين به حتى أموت عليه. ورجع قيس إلى الحجاز فأقام ثم خرج إلى مكة معتمرا فلقي زيد بن عمرو بن نفيل فقال له أبو قيس: خرجت إلى الشأم أسأل عن دين إبراهيم فقيل هو وراءك، فقال له زيد بن عمرو: قد استعرضت الشأم والجزيرة ويهود يثرب فرأيت دينهم باطلا وإن الدين دين إبراهيم كان لا يشرك بالله شيئا ويصلي إلى هذا البيت ولا يأكل ما ذبح لغير الله. فكان أبو قيس يقول: ليس على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل. فلما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة وقد أسلمت الخزرج وطوائف من الأوس بنو عبد الأشهل كلها وظفر وحارثة ومعاوية وعمرو بن عوف إلا ما كان من أوس الله، وهم وائل وبنو خطمة وواقف وأمية بن زيد مع أبي قيس بن الأسلت، وكان رأسها وشاعرها وخطيبها، وكان يقودهم في الحرب، وكان قد كاد أن يسلم وذكر الحنيفية في شعره، وكان يذكر صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، وما تخبره به يهود، وإن مولده بمكة ومهاجره يثرب. فقال بعد أن بعث النبي، صلى الله عليه وسلم: هذا النبي الذي بقي وهذه دار هجرته. فلما كانت وقعة بعاث شهدها. وكان بين قدوم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووقعة بعاث خمس سنين، وكان يعرف بيثرب يقال له الحنيف، فقال شعرا يذكر الدين: