وثمانين فعقد عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان بالعهد وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وعامله يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي، فدعا الناس إلى البيعة لهما، فبايع الناس، ودعا سعيد بن المسيب أن يبايع لهما فأبى وقال: حتى أنظر. فضربه هشام بن إسماعيل ستين سوطا وطاف به في تبان من شعر حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال: أين تكرون بي؟ قالوا: إلى السجن، قال: والله لولا أني ظننت أنه الصلب ما لبست هذا التبان أبدا. فردوه إلى السجن وحبسه وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه وما كان من أمره، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به ويقول: سعيد كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عند سعيد شقاق ولا خلاف.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة قال: دخل قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك بن مروان بكتاب هشام بن عبد الملك يذكر أنه ضرب سعيدا وطاف به. قال قبيصة: يا أمير المؤمنين يفتات عليك هشام بمثل هذا، يضرب بن المسيب ويطوف به، والله لا يكون سعيد أبدا أمحل ولا ألج منه حين يضرب، سعيد لو لم يبايع ما كان يكون منه، ما سعيد ممن يخاف فتقه ولا غوائله على الإسلام وأهله، وإنه لمن أهل الجماعة والسنة. قال قبيصة: اكتب إليه يا أمير المؤمنين في ذلك. فقال عبد الملك: اكتب أنت إليه عنك تخبره برأيي فيه وما خالفني من ضرب هشام إياه. فكتب قبيصة إلى سعيد بذلك، فقال سعيد حين قرأ الكتاب: الله بين وبين من ظلمني.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي قال: دخلت على سعيد بن المسيب السجن فإذا هو قد ذبحت له شاة فجعل الإهاب على ظهره ثم جعلوا له بعد ذلك قضبا رطبا. وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني من هشام.