ذلك وقد نام عبد الملك بن مروان وروح بن زنباع إلى جنبه إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقا، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابه فقال: لا يحجب عني قبيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار، إذا كنت خاليا أو كان عندي رجل واحد، وإن كنت عند النساء أدخل المجلس وأعلمت بمكانه. فدخل وكان الخاتم إليه، وكانت السكتة إليه، تأتيه الأخبار قبل عبد الملك فيقرأ الكتب قبله ثم يأتي بها منشورة إلى عبد الملك فيقرؤها إعظاما لقبيصة. فدخل عليه فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك. قال: وهل توفي؟ قال: نعم. قال فاسترجع عبد الملك بن مروان ثم أقبل على روح فقال: أبا زرعة كفانا الله ما كنا نريد وما أجمعنا عليه، وكان ذلك مخالفا لك يا أبا إسحاق. فقال قبيصة: وما هو؟ فأخبره بما كان، فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين إن الرأي كله في الأناة، والعجلة فيها ما فيها. فقال عبد الملك: ربما كان في العجلة خير كثير، أرأيت عمرو بن سعيد، ألم تكن العجلة في أمره خيرا من التأني فيه؟ وأمر عبد الملك ابنه عبد الله بن عبد الملك على مصر وعقد لابنيه الوليد وسليمان بعده بالخلافة، وكتب في البلدان فبايع لهما الناس. وكان موت عبد العزيز في جمادي الأولى سنة خمس وثمانين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر عن رجاله من أهل المدينة قالوا: قد حفظ عبد الملك عن عثمان وسمع من أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وغيرهم من أصحاب رسول الله، وكان عابدا ناسكا قبل الخلافة.
قال: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثنا أبي عن نافع قال: لقد رأيت عبد الملك بن مروان وما بالمدينة شاب أشد تشميرا ولا أطلب للعلم منه، وأحسبه قال: ولا أشد اجتهادا.
قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن عائشة التيمي قال: سمعت أبي يحدث عن جعفر بن عطية مولى خزاعة عن بن قبيصة بن ذؤيب عن أبيه قال: كنا نسمع نداء عبد الملك بن مروان من وراء الحجرات: يا أهل