ولا بقاء لملكه؛ قال حاطب: كان لي مكرماً في الضيافة وقلة اللبث ببابه، ما أقمت عنده إلا خمسة أيام.
قالوا: وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شجاع بن وهب الأسدي، وهو أحد الستة، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتاباً، قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليه، فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه، وكان رومياً أسمه مرى، يسألني عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكنت أحدثه عن صفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قد قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي، صلى الله عليه وسلم، بعينه فأنا أومن به وأصدقه وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي، وخرج الحارث يوماً فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، علي بالناس! فلم يزل يفرض حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثم قال أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر: ألا تسير إليه واله عنه ووافني بايلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت غداً فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني مرى، وأمر لي بنفقة وكسوة وقال: أقريء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مني السلام، فقدمت على النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: باد ملكه! وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: صدق! ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.