للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسار حتى دنا من الحديبية، وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة، فوقعت يدا راحلته على ثنية تهبطه على غائط القوم فبركت؛ فقال المسلمون: حل حل! يزجرونها، فأبت أن تنبعث، فقالوا: خلأت القصواء؛ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إنها ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل، أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فقامت فولى راجعا عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية ظنون قليل الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز فيها فجاشت لهم بالرواء حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. ومطر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالحديبية مرارا وكرت المياه. وجاءه بديل بن ورقاء وركب من خزاعة فسلموا عليه، وقال بديل: جئناك من عند قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم معهم العوذ والمطافيل والنساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه! فرجع بديل فأخبر بذلك قريشا فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي فكلمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنحو مما كلم به بديلا فانصرف إلى قريش فأخبرهم، فقالوا: نرده عن البيت في عامنا هذا ويرجع من قابل فيدخل مكة ويطوف بالبيت. ثم جاء مكرز بن حفص بن الأخيف فكلمه بنحو مما كلم به صاحبيه فرجع إلى قريش فأخبرهم، فبعثوا الحليس بن علقمة، وهو يومئذ سيد الأحابيش وكان يتأله، فلما رأى الهدي عليه القلائد قد أكل أوباره من طول الحبس رجع ولم يصل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إعظاما لما رأى، فقال لقريش: والله لتخلن بينه وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش! قالوا: فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به. وكان أول من بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قريش خراش بن أمية الكعبي ليخبرهم ما جاء له، فعقروا به وأرادوا قتله فمنعه

<<  <  ج: ص:  >  >>