فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح، وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة وانكشفت الخيل خيل بني سليم مولية وتبعه أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله! ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى العسكر وثاب إليه من انهزم وثبت معه يومئذ العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأبو بكر وعمر وأسامة بن زيد في أناس من أهل بيته وأصحابه، وجعل يقول للعباس: ناد يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة! فنادى، وكان صيتا، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك! فحملوا على المشركين فأشرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى قتالهم فقال: الآن حمي الوطيس! أنا النبي لا كذب، أنا بن عبد المطلب!
ثم قال للعباس بن عبد المطلب: ناولني حصيات، فناولته حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه! ورمى بها وجوه المشركين وقال: انهزموا ورب الكعبة! وقذف الله في قلوبهم الرعب، وانهزموا لا يلوي أحد منهم على أحد، فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقتل من قدر عليه، فحنق المسلمون عليهم يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنهى عن قتل الذرية، وكان معه سيماء الملائكة، يوم حنين، عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه. وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يطلب العدو فانتهى بعضهم إلى الطائف وبعضهم نحو نخلة وتوجه قوم منهم إلى أوطاس، فعقد رسول الله، صلى