قال: وقدم ثابت بن المنذر بن حرام، وهو أبو حسان بن ثابت الشاعر، مكة معتمراً فلقي المطلب وكان له خليلاً، فقال له: لو رأيت بن أخيك شيبة فينا لرأيت جمالاً وهيبة وشرفاً، لقد نظرت إليه وهو يناضل فتياناً من أخواله فيدخل مرماتيه جميعاً في مثل راحتي هذه ويقول كلما خسق: أنا ابن عمرو العلى، فقال المطلب: لا أمسي حتى أخرج إليه فأقدم به، فقال ثابت: ما أرى سلمى تدفعه إليك ولا أخواله، هم أضن به من ذلك وما عليك أن تدعه فيكون في أخواله حتى يكون هو الذي يقدم عليك إلى ما ههنا راغباً فيك، فقال المطلب: يا أبا أوس ما كنت لأدعه هناك ويترك مآثر قومه وسطته ونسبه وشرفه في قومه ما قد علمت، فخرج المطلب فورد المدينة فنزل في ناحية وجعل يسأل عنه حتى وجده يرمي في فتيانٍ من أخواله، فلما رآه عرف شبه أبيه فيه ففاضت عيناه وضمه إليه وكساه حلة يمانية وأنشأ يقول:
عرفت شيبة والنجار قد حفلت … أبناؤها حوله بالنبل تنتضل
عرفت أجلاده منا وشيمته … ففاض مني عليه وابل سبل فأرسلت سلمى إلى المطلب فدعته إلى النزول عليها، فقال: شأني أخف من ذلك، ما أريد أن أحل عقدة حتى أقبض ابن أخي وألحقه ببلده وقومه، فقالت لست بمرسلته معك، وغلظت عليه، فقال المطلب: لا تفعلي فإني غير منصرف حتى أخرج به معي، ابن أخي قد بلغ وهو غريب في غير قومه ونحن أهل بيتٍ شرف قومنا، والمقام ببلده خير له من المقام ههنا وهو ابنك حيث كان، فلما رأت أنه غير مقصر حتى يخرج به استنظرته ثلاثة أيام، وتحول إليهم فنزل عندهم فأقام ثلاثاً ثم احتمله وانطلقا جميعاً، فأنشأ المطلب يقول كما أنشدني هشام بن محمد عن أبيه: