للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا البُرَّ بأكله قَضْمًا، وهذا الدقيقِ بأكل خُبْزِهِ، فلا يَحنَثُ لو استفَّه كما هو.

وأكلُ الشِّواءِ باللَّحْم، والطبخِ بما طُبِخَ من اللَّحْم، والرأسِ برأسٍ يُكْبَسُ في التَّتَانير، ويُبَاعُ في مِصْرِه.

===

منه.

(وهذا البُرّ) أي ويُقَيَّد الأكل من هذا البر (بأكله قَضْماً) وهو الأكل بأطراف الأسنان، فلا يحنث بأكل خبزه ولا سَويْقِهِ، وهذا عند أبي حنيفة، وبه قال مالك والشافعي. وقال أبو يوسف: يحنَث بخبزه لا بسويقه. وقال محمد: يحنث بهما. وأما القَضْم فَيْحنَث به عند الكل إلا أحمد. وفي «الفوائد الظهيرية»: إن هذا الخلاف إذا لم يكن له نية، فأما إذا نوى فيمينُه على ما نوى باتفاق، لأنه نوى حقيقة كلامه أو محتَمَله.

(وهذا الدقيق) أي ويقيد الأكل من هذا الدقيق (بأكل خبزه) وعصيدته، لأن عينَ الدقيق غير مأكول، فانصرف يمينه إلى ما يُتخذ منه، وبه قال مالك وأحمد (فلا يَحنثُ لو استفَّه كما هو) لأن الحقيقة مهجورة في الاستعمال عادة، فسقط اعتبارها. وقيل: يحنث لأنه أكل الدقيق حقيقة. والصحيح: أنه لا يحنَث إلا إن نواه، فإنه يحنَث به لا بِخُبْزِهِ.

(وأكلُ الشواء) هو بالرفع عطف على الأكل. أي ويقيد أكل الشواء (باللحم) لأنه المتبادر دون البيض المشوي، أو الباذنجان، أو الجوز، وهو قول أحمد، إلا أن ينوي كل مشوي، فتصح نيته لأن فيه تشديداً عليه (والطبخِ) عطف على الشواء، أي ويُقَيّدُ أكل الطبخ (بما طُبِخَ من اللحم) لأنه المفهوم في العرف، ولا بُدَّ أن يُطبخ بالماء، لأن المقلي اليابس لا يُسمى طبيخاً، (ولو أكل الخبز بالمَرَقة التي طُبخ فيها اللحم يحنث، لأنها تُسمى طبيخاً) (١) وفيها أجزاء اللحم.

(والرأسِ) أي ويُقَيّد أكل الرأس (برأسٍ يُكبس في التنانير) أي يُدخل فيها (ويباع) ذلك الرأس المتعارف (في مصره) أي في بلده من الإبل والبقر والغنم. وكان أبو حنيفة أولاً يقول: إذا حلف لا يأكل رأساً يحنث برأس الغنم والإبل والبقر، ثم رجع وقال: يحنَث برأس البقر والغنم خاصة. وقالا يحنَث برأس الغنم خاصة، وهذا اختلاف عصرٍ وزمانٍ لا اختلاف حجة وبرهان. كان العرف في زمانه أولاً في الثلاثة، ثم في


(١) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>