للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ في اللُّقَطَةِ]

وَاللُّقَطَةُ: أمَانَةٌ إنْ أَشْهَدَ عَلَى أَخْذِهِ ليرُدَّها عَلَى رَبِّهَا، وَإلَّا ضَمِنَ إن جَحَدَ المَالِكُ أَخْذَهُ لِلرَّد.

===

(فَصْلٌ في اللُّقَطَةِ)

(وَاللُّقَطَةُ) بضم اللاّم وفتح القاف، ويُسكَّن: المال الملقوط (أمَانَةٌ) سواء (في الحِلِّ والحَرَم، وسواء كانت) (١) متاعاً أو بهيمةً. ونُدِبَ رفعها لمن يثق من نفسه الأمانة، وهو قول علمائنا وعامة الفقهاء، لأنه لو تركها لا يأمن أن تصل إليها يدٌ خائنةٌ فيكتمها عن مالكها، ولأنّه يلتزم أداء الأمانة في رفعها، والتزام أداء الأمانة تَعَرَّضٌ بمنزلة المثوبة قال الله تعالى: {إنّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أنْ تؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} (٢) وامتثال الأمر سببٌ لمنال الأجر.

والمُتَقَشِّفَةُ يقولون: لا يحلّ له أن يرفعها لأنه أخذ مال الغير بغير إذن صاحبه، وذلك حرامٌ شرعاً. وبعض المتقدمين من الأئمة التابعين كان يقول: يحلّ له أن يرفعها، والترك أفضل، لأنّ صاحبها إنّما يطلبها في الموضع الذي سقطت منه إذا فقدها، فإذا تركها وجدها صاحبها فيها، ولأنّه لا يأمن على نفسه أن يطمع فيها بعد رفعها، فكان معرِّضاً نفسه للفتنة. قلنا: نعم، لكن الحكم لغلبة الظنّ، والأفضل مراعاة الطرفين.

(إنْ أَشْهَدَ) الآخِذ (عَلَى أَخْذِهِ) أنه أخذها (ليرُدَّها عَلَى رَبِّهَا) ذَكَر الضمير باعتبار المأخوذ ثم أنَّثَهُ باعتبار اللُّقَطَة رعاية لمعناها تارةً ولمبناها أخرى، وهذا نوع تفنُّنٍ في العبارة. وإنما كانت أمانة لأنّ أخذها على هذا الوجه مأذونٌ فيه شرعاً، فلا تكون مضمونة. وَشُرِطَ الإشهاد لما روى إسحاق بن رَاهُويه في «مسنده» عن عِيَاض بن حَمَّاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصاب لُقَطَةً فليُشْهِدْ ذا عدل ثم لا يكتم ولْيُعَرِّفَنَّهَا سنةً، فإن جاء صاحبها، وإلاّ فهو مال الله يؤتيه مَنْ يشاء». قالوا: ويكفي في الإشهاد أن يقول: من سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فدلُّوه عليّ (وَإِلاَّ) أي وإن لم يشهد وادّعى أنّه أخذها للردّ (ضَمِنَ) عند أبي حنيفة ومحمد (إن جَحَدَ المَالِكُ أَخْذَهُ لِلرَّدِّ).

وقال أبو يوسف: لا يضمن، لأن صاحبها يدّعي سبب الضمان وهو يُنكر، فكان القول قوله كما في الغصب، وهو قول مالك والشّافعيّ (وأحمد) (٣) ، لأنّ الإشهاد غير


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) سورة النساء، الآية: (٥٨).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>