للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ في أَحْكَامِ الحَجَّ عن الغَيْر]

ومَنْ عَجَزَ فأَحَجَّ صَحَّ، ويَقَعُ عَنْهُ

===

(فصلٌ في أحكام الحج عن الغير)

(ومَنْ عَجَزَ) أَي عن حجِّ الفَرْض، فإِنَّ حج النَّفْل لا يشترطِ فيه العَجْزُ، إِذْ بابُ النَّفْل وَاسِعٌ (فأَحَجَّ) غيره، سواءٌ كان ذلك لغير ذكراً أَوْ أُنثى، حُرَّاً أَوْ عبْداً مأْذوناً، حجَّ عن نَفْسه أَوْ لم يحج (صَحَّ) لكن يُكْره إِحجاج الأُنْثَى حرةً أَوْ أَمَةً عنِ الذَّكَر، وكذا العبد كراهةَ تَنْزيه. وأَمَّا مَنْ لم يَحجَّ عن نَفْسِهِ، فمكرُوهٌ كراهةَ تَحْرِيم.

(ويَقَعُ عَنْهُ) أَي عن العاجز الحجُّ، لما في «الكتب الستة»: أَبو داود عن عبد الله بن عباس، والباقون عن أَخيه الفَضْل: أَنَّ امرأَةً مِنْ خَثْعَم قالت: يا رسولَ الله، إِنَّ أَبي أَدْرَكَتْهُ فريضةُ اللَّهِ في الحجِّ وهو شَيْخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ أَنْ يستويَ على ظهر البعير، قال: «حُجِّي عَنْه». وذلك في حجّة الوَدَاع، ولم يسأَلها صلى الله عليه وسلم هَلْ حَجَّتْ عَنْ نَفْسِها أَمْ لم تحج، ولا هَلْ هي حرة أَوْ أَمَة. وفي «السُّنن الأَربعة» عن أَبي رَزِين العُقَيْلي قال: يا رسول الله إِنَّ أَبي شَيْخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ ولا العُمرة ولا الظَّعْن، قال: «احْجُج عَنْ أَبِيكَ واعْتَمِر». قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وفي «معجم الطبراني» بسنده إِلى سَوْدَة أُم المؤمنين: أَنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله، إِنَّ أَبي شَيْخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحج، أَفَأَحُجُّ عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم «أَرأَيتَ لو كان على أَبِيكَ دَيْنٌ فقضيته، أَكانَ يُجزاءُ عنه؟» قال: نعم، قال: «فَحَجَّ عَنْه».

وإِذا حجّ المأْمور فأَصْل الحج يقع عن الآمر في ظاهر المذهب. وعن محمد يقع عن المأْمورِ، وللآمرِ ثوابُ النَّفقةِ، لأَن الحج عبادةٌ بدنيةٌ، والمال شَرْطٌ لوجوبها، فلا تُجزاءُ فيها النيابةُ، كالصلاة والصيام، ويَسْقطُ عن الآمرِ الفَرْضُ بالإِجماع، لأَن الانفاق أُقيم مُقام الأَفعال في حَقِّ سقوطها، كالشيخِ الفاني حيثُ أُقِيم الإِطعام في حَقِّه مُقام الصيام. ولا يسقط به عن المأْمور فَرْضُ الحج بالإِجماع، لأَن النية وقعت عن الآمر، سواءٌ أَدَّاه على الموافقةِ أَوْ المُخَالَفَة، وسواءٌ كان عليه حَجٌّ أَوْ لا.

وأَمَّا حَجُّ النَّفْل فيقعُ عن المأْمورِ اتفاقاً، وللآمر الثوابُ بأَنْ يصيرَ المأْمور جاعِلاً ثوابَ فِعْلِهِ للآمِر، وهذا جائزٌ عند أَهل السُّنَّةِ، وهو أَنْ يجعلَ الإِنسان ثوابَ عملِهِ لغيره، صلاةً كان أَوْ صوماً أَوْ صدقةً أَوْ غيرها، كقراءةِ القرآنِ والطوافِ والعتاقِ والأَذكار ونحوها، لحديث عائشةَ وأَبي هريرة، رواهما ابن ماجه بسنده عنهما: أَنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>