للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْل [في الرُّجُوعِ عن الشَّهَادَةَ]

لا رجوعَ عنها إِلا عند قاضٍ،

===

سجنه. ومعنى يُسَحَّم بالحاء المهملة والمعجمة (١) : يُسَوَّد، من الأَسْحَم وهو الأَسْوَد. وهذا الأثر دليل على إِثبات الضرب. ونفي قول أَبي حنيفة، إِلا أَنهما لا يقولان بالتَّسْحِيم. ومحمد لا يقول بتبليغ التعزير إِلى أَربعين.

ولأبي حنيفة ما روى محمد في «الآثار»: عن ابن أَبي الهيثم عن مَنْ حَدَّثه عن شُريح: أَنه كان إِذا أَخذ شاهد زور، فإِن كان من أَهلِ السوق، قال للرسول: قل لهم: إِنْ شُرَيْحَاً يقرؤكم السلام ويقول لكم: إِنّا وجدنا هذا شاهد زُور فاحذروه، وإِن كان من العرب أَرسل به إِلى مسجدِ قومِهِ أَجمعَ ما كانوا، فقال للرسول مثل ما قال في المرة الأُولى.

فإِن قيل: أَبو حنيفة لا يرى تقليدَ التابعي. أُجيب: بأَنه لم يذكرْ فعلَ شُريح مستدِلاً به، وإِنما ذكره لبيان أَنه لم يسَتْبدّ (٢) بهذا القول، بل سبقه إِليه غيره، أَوْ استدلاله إِنما هو بتجويز الصحابة فعل شُرَيح، فإِنه كان قاضياً في زمن عُمر وعلي، ومثل هذا التَّشهير لا يخفى على الصحابة الذين كان هو في زمنهم. وأَما حديث عمر فمحمول على السياسة. ولو قال: غلِطْتُ، أَوْ نسيتُ، أَوْ أَخطأت، أَوْ رُدت شهادتي لتهمة، أَوْ مخالفةٍ بين الدّعوى والشهادة، أَوْ بين الشهادتين، لا يُعزَّر.

والرجال، والنساء، وأَهل الذمة: في حكم شهادة الزور سواء، ولو تاب بعد ذلك وشهد قالوا: إِنْ كان فاسقاً تُقبل، لأَن الذي حَمَلَه على الزور فِسْقُه وقد زال. وقدر بعضهم مدة ذلك بستة أَشهر وبعضهم بسنة، لأَن بِمُضِيِّ الزمان يتغير حال الإنسان، والله المستعان. والصحيح أَنه مفوض إِلى رأَي القاضي. وإِن كان عدلاً أَوْ مستوراً لا تُقبل شهادتُهُ أَبداً لأَن عدالته لا تُعتمد. وروى الفقيه أَبو جعفر عن أَبي يوسف: أَنها تُقبل، وبه يُفتى.

فصلٌ (في الرُجُوْعِ عن الشَّهَادة)

(لا رجوع عنها) أَي لا يصَح الرجوعُ عن الشهادة (إِلا عند قاضٍ) أَيُّ قاضٍ كان، لأَن الرجوعَ عن الشهادة فسخٌ لها، فيختص بما اختصت به، وهو كونها عند قاضٍ كفسخ البيع، حيث يُشترط فيه ما يُشترط في البيع: من قيام


(١) أي: يُسَحَّم، بالحاء، أو: يُسَخَّم، بالخاء. وكلاهما بمعنى واحد وهو: يُسَوَّد. انظر "القاموس المحيط" ص ١٤٤٦. مادة: (سحم) و (سخم). وروي في "مصنف ابن أبي شيبة" بلفظ: "يُسَخَّم" بالخاء المعجمة. ١٠/ ٥٤١، كتاب الحدود، من رخص في حلقه وجزِّه [أي الرأس]، رقم (٨٦٩٢).
(٢) في المطبوع "يستدل" بدل "يستبدّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>