للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفَرْعُ عند الحاكم: أَشهد أَن فلانًا أَشْهَدَني على شهادته بكذا، وقال لي: اشْهَدْ على شهادتي بذلك.

وصَحَّ تَعْدِيلُ الفَرْعِ الأصلَ، وأَحَدُ الشاهِدَين الآخرَ. وإِنكارُ الأصل يُبْطلُ شهادَةَ الفَرع. ومَنْ أَقرَّ أَنه شَهِدَ زُوْرًا، شُهِّرَ ولم يُعَزَّرْ.

===

الفرع كالغائب عن الأصل، فلا بدُ من التَّحميل والتوكيل له، ومن أَنْ يشهدَ الأصلُ عنده كما يشهدَ عند القاضي لينقله إِلى مجلس القضاء.

(و) يقول (الفَرْعُ) في أَداء الشهادة (عند الحاكم: أَشهد أَنْ فلاناً أَشهدني على شهادته بكذا، وقال لي: اشهد على شهادتي بذلك) لأَنه لا بد من ذِكْر (شهادَتِهِ، وذِكْر) (١) شهادةِ الأصل، وذكر التحميل، وهو يحصل بهذا. وفيه خمس شِيْنَات. (وصح تعديلُ الفَرْعِ) أَي تزكية الشاهد الفَرْع (الأصلَ و) تعديل (أَحد الشاهدَينِ الآخَرَ) بأَن شهد شاهدان في واقعةٍ، فزكّى أَحدهما الآخر، لأَنه من أَهل التزكية، فكانت تزكيته كتزكية غيره.

(وإِنكارُ الأصل يُبطل شهادَة الفَرع) لأَن التحميل شرط، وهو لم يثبت للتعارض بين خبر الفروع وخبر الأصول (ومَنْ أَقر أَنه شَهِدَ زُوْراً) أَوْ شهد بقتلِ رجلٍ أَوْ موته، ثم جاء ذلك الرجل حياً (شُهِّر) في الأسواق (ولم يُعزَّرْ) بضرب ولا يحبس عند أَبي حنيفة. وعُزِّر بالضربِ والحبس عند أَبي يوسف ومحمد وباقي العلماء، على قدر ما يراه القاضي، حتى يُظهر توبَتَه. ثم التَّشْهِيْرُ لإعلام الناس حتى لا يعتمدوا شهادتَهَ بعد ذلك. والتعزير لارتكاب كبيرة، فشهادةُ الزور من أَعظمِ الكبائر، فإِنها عدلت الشرك بالله تعالى في قوله سبحانه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّوْرِ} (٢) وفيه إِشارة إِلى عِظَم حُرمة المسلم، فقد جعل الله الشهادةَ عليه بالزور كالشهادةِ على ذاتِهِ بالزور.

والحاصل:

أَنْ شاهدَ الزُّوْرِ يُعَزَّر بالاتفاق، سواء اتصل القضاء بشهادتِهِ أَوْ لم يتصل، لأَنه ارتكبَ كبيرةً اتصل ضَرَرُها بالمسلمين، وليس فيها حدٌ مُقدَّرٌ، فيعزَّرُ زجراً له، إِلا أَنهم اختلفوا في كيفية تعزيره، فقال أَبو حنيفة: بِتَشْهِيْرِهِ فقط. وقال غيره: بضربه وحبسه، لما روى ابن أَبي شيبة في «مصنفه» عن أَبي خالد، عن حجاج، عن مكحول، عن الوليد بن أَبي مالك أَنْ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إِلى عُمّاله بالشام في شاهد الزور: يضرب أَربعين سَوْطاً، ويُسحَّم وجهه، ويُحْلَق رأْسه، ويُطال


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) سورة الحج، الآية: (٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>